محاولات أردوغانية لتتريك دول المغرب العربي

د. صياح عزام:

ازداد في السنوات الأخيرة التدخل التركي في دول المغرب العربي، وينطلق هذا التدخل من خلفية استعمارية، أكد ذلك تصريح أردوغان عند حديثه عن ليبيا بالقول: (إنها أرض الأجداد)، وكأنه لم يكتف بتصريحات استعمارية سابقة له بأن الموصل وحلب وأجزاء أخرى من الشمال السوري هي أراض تركية!

– في إطار التغلغل التركي في دول المغرب العربي، أكدت تقارير وردت من المغرب وجود رغبة لدى السلطات هناك في ضرورة مراجعة (اتفاقية التبادل الحر مع تركيا)، بسبب ما ألحقته من أضرار بالاقتصاد المغربي، كونها غير متكافئة، تهدف إلى فرض حالة من الهيمنة التركية على جميع دول المغرب العربي اقتصادياً بدرجة أولى، ثم ثقافياً وسياسياً بدرجة ثانية، وذلك من خلال دعم جماعات الإسلام السياسي ممثلة بصورة خاصة بجماعة الإخوان المسلمين.

وأشارت مصادر مغربية إلى أن اتفاقيات التبادل الحر التي توقعها الدول فيما بينها، عادة ما تكون الغاية منها استفادة الطرفين معاً، إلا أن هذه الاتفاقية لم تكن في صالح المغرب إطلاقاً، علماً بأن العجز التجاري للمغرب مع هذا البلد ارتفع بشكل كبير لينتقل من 4٫4 مليارات درهم في العام 2006 إلى 16 مليار درهم عام 2018.

وعلى ما يبدو بل من المؤكد أن تركيا استغلت وصول جماعات الإسلام السياسي في المغرب إلى قيادة حكومات ما بعد عام 2011 لتحقق المزيد من الاختراق للاقتصاد المغربي، ومزيداً من الهيمنة والإغراق، ما حدا بالمسؤولين هناك إلى إعلان (صيحة فزع) وقلق بسبب ما يحدث، والدعوة إلى ضرورة مراجعة الاتفاقية التي ستجعل من المغرب مجرد سوق لترويج وتسويق المنتجات التركية.

– هذا بالنسبة للمغرب، أما الوضع في تونس فلا يختلف عن الوضع في المغرب، إذ إن هناك أصوات فزع وقلق أيضاً ارتفعت من قبل صناعيين وتجار وفلاحين تحذر من حالة (التتريك) التي يتعرض لها الاقتصاد الوطني بدعم واضح من حزب النهضة الذي تتزعمه جماعة الإخوان المسلمين.

اتحاد رجال الأعمال واتحاد الفلاحين والاتحاد العام التونسي للشغل، ومنظمات وطنية تونسية أخرى، كانت آراؤها متطابقة بشأن القلق من الهيمنة التركية على الاقتصاد التونسي. وقد جاءت آخر التصريحات الصادمة من نور الدين الطبوبي أمين عام اتحاد الشغل، الذي انتقد بشكل صريح وعلني الصفقات السرية مع الجانب التركي على غرار صفقة (تسليم مطار النقيضة) وهو أكبر المطارات في تونس للجانب التركي، كما انتقدت منظمات الدفاع عن المستهلك في تونس عمليات إغراق الأسواق التونسية بالبضائع التركية التي قال عنها رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك إنها (ممنوعة من الترويج في الأسواق الأوربية) ولكنها تباع في تونس!

إن الحملات الإعلامية الضاغطة من أجل مراجعة الاتفاقية بين تونس وتركيا لم تثمر شيئاً على الأرض حتى الآن، لكن الحكومة القادمة تلقت رسائل اضحة وقوية من المهنيين، تفيد أن سياسة التتريك يجب أن تتوقف حالاً.

– وإذا ما نظرنا إلى الساحة الليبية، نجد أن القرار الأخير الذي اتخذه الجيش الليبي بفرض حظر على الطيران فوق العاصمة طرابلس لم يأت من فراغ، بل إنه يأتي رداً على السياسات الاستعمارية التركية التي تمارسها أنقرة على الأرض الليبية والتي بموجبها تدخل أردوغان بصورة واضحة ومباشرة في دعم الميليشيات المسلحة بالسلاح والأفراد والطائرات المسيّرة، وقد تحولت المطارات الليبية إلى أماكن يتدفق منها السلاح والإرهابيون العائدون من سورية للقتال ضمن صفوف المجموعات الإرهابية المتطرفة التي تسيطر على ليبيا منذ عام 2011. وقد صرح أكثر من مسؤول في الجيش الوطني الليبي بأن تركيا باتت عدواً مشاركاً في الحرب على ليبيا، وأن الجيش الليبي يعتبرها شريكة أساسية في تدمير البلاد.

– في الشأن الجزائري، لا تخفى الرغبة التركية في تسلم الإسلاميين لمقاليد الحكم، وبالتالي إيجاد قاعدة قوية يمكن من خلالها النفاذ إلى الأسواق الجزائرية التي ظلت حتى الآن عصية على أنقرة، ثم إن الدعم التركي للإسلاميين واضح في المنصات الإعلامية التركية والعربية القريبة من الخط الإخواني مثل قطر، فهناك حملات إعلامية مسمومة تشن ضد الجيش الشعبي الجزائري الذي استطاع أن يحمي البلاد من انزلاق نحو الفوضى كما حدث في دول عربية أخرى لاستغلال هذه الفوضى من قبل الإخوان المسلمين للانقضاض على السلطة كما حصل في مصر قبل سنوات.

وهكذا نخلص إلى القول بأن التدخل التركي في دول المغرب العربي ينطلق من خلفية استعمارية صرح بها أردوغان عند حديثه عن ليبيا بالقول (إنها أرض الأجداد) كما نبهنا إلى ذلك في بداية الحديث.. وبالتالي يترتب علي العرب عامة ودول المغرب العربي بشكل خاص الحذر حيال هذه الأطماع التركية البغيضة.

 

العدد 1104 - 24/4/2024