المواجهة في ليبيا.. إلى أين؟

ريم الحسين:

يبدو أن العثماني يضاعف أحلامه، بعد محاولته إعادة الخلافة في سورية، فيصِل إلى ليبيا ليكون له موضع قدم في سباق توزيع الأرض والثروة هناك، وخصوصاً خطوط الغاز والنفط بالقرب من قبرص واليونان، فقد شدد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أن أنقرة ستواصل الوقوف إلى جانب (أشقائها) في ليبيا حتى تحقيق (السلام والطمأنينة) والأمن، كما فعلت في سورية! وأصبح غنياً عن الذكر السلام الذي حققه العدو العثماني في دعم مرتزقته من الإرهابيين في الشمال السوري ضد الدولة، لقتل الشعب السوري وإنشاء إمارات وكانتونات إرهابية مسلحة وتسخير حدوده لنقل السلاح والمرتزقة وسرقة ما يمكن سرقته وإنشاء قواعد عسكرية عثمانية في قلب الأراضي السورية.

ويبدو أن الملف الليبي قد أصبح حرباً بالوكالة، بعد التصعيد الأخير بين عدد من الدول المتنافسة هناك لبسط السيطرة والنفوذ أو لأسباب سياسية وعسكرية ولوجستية، وخصوصاً بعد أن وقع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، مذكرتي تفاهم مع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية فايز السراج، الأولى تتعلق بالتعاون الأمني والعسكري، والثانية بتحديد مناطق الصلاحية البحرية، وبعد ذلك بدأت الحرب الكلامية حتى الآن بين عدد من الأطراف، في مقدمتها مصر التي تدعم مع محورها الجنرال خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، والذي يستعد لدخول طرابلس منذ نيسان الماضي، وإسقاط السراج وحكومته وحلفائه. ويبدو أن هجوم الأتراك وراعيهم الأمريكي في تصريحاتهم قد وصل حتى للحليف الروسي واتهامه بدعم حفتر، ووجود قوة روسية تسمى (فاغنر) هناك، وهذا ما نفاه الجانب الروسي.

لفهم حيثيات ما يحدث باختصار بعد ربيع الدماء العربي وإسقاط القذافي، وككل الدول التي تمر بمراحل انتقالية وفوضى وحروب استنزاف مدعومة من فرنسا وإيطاليا، وبشكل غير مباشر من أمريكا، فلا يعقل أن تحدث فوضى دون أثر للأمريكي، للحصول على حصته من الكعكة، ومعهم بعض الدول العربية، فقد تشكلت عدة ميليشيات وحكومات، ثم حصل الإخوان وممثلهم في ليبيا السراج على الاعتراف الدولي، لكن هذا لم يمنع معارضيهم من عدم الاعتراف بهم ومقاومتهم ومتابعة الصراع للسيطرة، وبقي بعد عدة اتفاقات وتفاهمات حفتر والسراج في الواجهة، وبدأت سلسلة الاتهامات بين الدول الداعمة لكلٍّ من أطراف النزاع، فلا يخفى على أحد الخلاف التركي القطري مع بقية دول الخليج ومصر، لذلك هبّت قطر المحمية التركية الأمريكية في المنطقة لدعم السراج، ولا يخفى على أحد مشاركة قطر في أول يوم من الأحداث في قصف الشعب الليبي وتحريض قنواتها المعلوم أيضاً، وبعدها جاء سيدها التركي ليستعرض عضلاته فجأة، والحديث عن الأسباب يطول منها ما ذكر في البداية، بالمقابل دعمت حفتر: مصرُ وحلفاؤها وخصوصاً الإمارات ، لأنها في حرب مع الإخوان وتعتبر حكومة السراج امتداداً لحكم مرسي والإخوان، إضافة إلى الحدود الطويلة بين البلدين والخوف على أمنها، على الأقل هذا ما يصرح به المصريون الذين يستعدون للحرب كما يصرح مسؤولوهم في حال دخول التركي.

ومع إرسال تركيا قطع بحرية، وكلامها عن إنشاء قواعد عسكرية في الداخل الليبي، وتصريحات الحليف الروسي الرافضة للتدخل التركي، يتسع نطاق المواجهة مع غموض الدور الأوربي الذي يرعى فقط مصالحه: من النفط، ومحاولة التخفيف من الهجرة والاتجار بالبشر الذي أغرق أراضيه، فهل تحصل تفاهمات أم مواجهات؟

الأيام القادمة كفيلة بجلاء الضباب عن هذا التعقيد.

العدد 1102 - 03/4/2024