الاعتراف بالخطأ فضيلة

د. رفيق علي صالح:

هو مثل عربي قديم، وهو في غاية الأهمية في حياة الأفراد والمجتمعات، لكني أجزم أن أهالي منطقتنا في الدول العربية هم الأقل تطبيقاً لهذا المثل.

يندر أن نجد إنساناً يعترف بخطئه، فكل أعمالنا وأفكارنا وسلوكنا وعلاقاتنا مع الأهل والأصدقاء والآخرين صحيحة.

نحن أمة ليس فيها من يرتكب خطأ وعلى ذلك وصلنا إلى ما نحن فيه.

نحن عباقرة في تبرير الأخطاء، حين يخطئ المسؤول تجد العشرات يزينون هذا الخطأ ويعتبرونه فضيلة وعبقرية وإبداعاً.

أذكر أنني كنت مع وزير الزراعة غير الاختصاصي في زيارة لأحد المشاتل الحراجية في ريف دمشق أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، فوجه الوزير ملاحظة للعاملين في المشتل، ولأن الوزير غير زراعي، كانت الملاحظة خاطئة مئة بالمئة، ولا يمكن تطبيقها في إنتاج الغراس الحراجية، فأثنى المدير المسؤول على توجيه الوزير وقال إن هذا لم يخطر سابقاً بفكر أي منا، وإننا سنبدأ بالتنفيذ فوراً، فأوضحت لسيادته خطأ التوجيه وأنه لا يمكن تنفيذه.

لم يكن الوزير راضياً لما قلناه، وكذلك المدير الذي قال لا يجوز أن نقول إن الوزير يخطئ!

وفي حادثة أخرى حينما كنت أعمل في كلية الزراعة بجامعة دمشق، وفي اجتماع للعاملين في الكلية طرح أحد أساتذة الكلية اقتراحاً بتغيير خط سير الباص الذي ينقل العاملين إلى الكلية، لأن ذلك أفضل للعاملين، فأجابه عميد الكلية إن خط السير الحالي هو الأفضل، وهو مدروس، ولن نغيره على الرغم من أن الخط المقترح كان الأفضل.

في حادثة ثالثة وفي لقاء السيد زاهي وهبة المذيع والأديب المعروف مع المرحوم الأستاذ أسامة أنور عكاشة، سأله السيد وهبي: لقد هاجمك المخرج السوري نجدت أنزور وقال إنك بالون سينتهي في أول مناسبة، هل تعرفه وما هو ردك عليه؟

أجاب المرحوم أسامة أنور عكاشة: لم يحصل أن تشرفت بلقاء الأستاذ أنزور، وآمل أن ألقاه قريباً، أما ما قاله فهو رأيه وأنا أقدر وأحترم هذا الرأي.

هذا نموذج نادر في العقلية العلمية والديمقراطية التي تحترم الرأي الآخر بالرغم من قساوته.

في جميع الأحوال، التعصب للرأي مرض ورثناه من عصر الجاهلية والقبلية، ولاتزال آثاره تنخر في عقولنا ومجتمعاتنا.

من النادر أن نجد مسؤولاً أو قائداً سياسياً أو حتى حزباً سياسياً يعترف بأخطائه، وحتى عملية النقد الذاتي المعتمدة في بعض الأحزاب السياسية غالباً ما تكون خجولة ومتواضعة، في حين تضخم الإيجابيات ويتم التركيز عليها، وأجزم أن هذه أحد أسباب تعثر العمل السياسي والوطني للعديد من الأحزاب السياسية في الدول العربية، وأكثر من ذلك هي أحد الأسباب الرئيسية لما حصل في تلك الأحزاب من انشقاقات أدت لإضعافها وقلة تأثيرها في مجتمعاتها.

والخلاصة أن تاريخاً من العقلية الفردية الأنانية القبلية العائلية لاتزال تترك آثارها على المجتمعات في منطقتنا العربية، ولابد من البحث عن حلول علمية لهذه المشكلة الحقيقية التي نعاني منها جميعاً.

إن التخفيف من هذه المشكلة الفردية الاجتماعية مسؤولية مجتمعية لابد أن تتولاها مؤسسات وأحزاب ونقابات تزرع عقلية العمل الجماعي والتنسيق والحوار وقبول الآخر، ونبذ التعصب أياً كانت طبيعته: دينية – حزبية- فكرية – عائلية- قبلية، وإذا كانت هذه المشكلة الجدية التي نعاني منها مجتمعية مؤسساتية فهناك دور محوري للمثقفين والنخب في المجتمعات العربية ولخبراء التربية بزرع العقل الحواري والتفكير العلمي وقبول الرأي الآخر، وخلق الحرص على العمل الجماعي والمصلحة العامة فوق أي اعتبار، بحيث يكون الهم الرئيسي بناء المجتمع وتطوير الأوطان والأمة.

إنها معركة حقيقية مع الذات ومع الآخرين، ولتتذكر دائماً شعار المجتمعات الاشتراكية (الفرد من أجل المجتمع، والمجتمع من أجل الفرد).

العدد 1104 - 24/4/2024