فريدمان.. سفير أمريكي بصناعة توراتية!

د. صياح عزام:

تشكل تصريحات ديفيد فريدمان سابقة خطيرة في العلاقات الدولية، وخرقاً فاضحاً لقرارات الأمم المتحدة ومواثيقها، فقد أكد في مقابلة صحفية نُشرت في صحيفة (نيويورك تايمز) مؤخراً، إن لدى إسرائيل الحق في ضم جزء من الضفة الغربية (التي تحتلها منذ اثنين وخمسين عاماً)، حتى أنه لم يعتبرها أرضاً فلسطينية محتلة.

وسبق أن أثارت صورة له تظهره وهو يتسلم صورة لمدينة القدس يظهر فيها الهيكل المزعوم، وقد بُني مكان المسجد الأقصى المبارك، مشاعر الامتعاض الشديد والغضب لدى الفلسطينيين، وطرحت تساؤلات عدة حوله كسفير متصهين أكثر من غلاة الصهاينة يعبث بمقدسات المسلمين.

بداية، نوضح أن إرساله كسفير للولايات المتحدة إلى إسرائيل هو تجسيد عملي لمنهجية الرئيس الأمريكي ترامب من جهة، ولتطابق رؤية الإرهابي نتنياهو من جهة أخرى. وبالأساس لم تكن له أية علاقة بالعمل الدبلوماسي، ولا يعرف لغة هذا العمل وأساسياته، لماذا؟! لأنه مجرد محام متخصص في قضايا الإفلاس، إذ رافع في عدة قضايا إشهار إفلاس بعض أندية قمار يمتلكها ترامب. وقد اعترضت عدة جهات أمريكية على تعيينه سفيراً في إسرائيل، منها شركة محاماة أمريكية يهودية اسمها (جي ستريت)، وخمسة سفراء أمريكيون سابقون في إسرائيل، قدموا مذكّرة لمجلس الشيوخ الأمريكي بهذا الشأن معترضين على هذا التعيين، وساند المذكرة النواب اليهود الديمقراطيون في المجلس ومنظمات يهودية أمريكية أخرى، إذ رأت هذه الجهات كلها أن تعيينه سفيراً في إسرائيل سيؤدي إلى مشاكل وإرباكات في السياسة الخارجية الأمريكية. إلا أن الرئيس ترامب لم يعر أي اهتمام لهذه الاعتراضات، ووصف فريدمان معارضي تعيينه سفيراً في إسرائيل بأنهم حفنة من اليهود الذين استخدمهم النازي الألماني ضد إخوتهم اليهود للمراقبة والوشاية حسب زعمه. وللعلم أكثر فإن فريدمان هذا يعيش في إحدى المستوطنات الإسرائيلية تدعى بيت إيل، التي يساعدها سنوياً بمبلغ مليوني دولار، وهو يطرح آراءه المتصهينة في عمود ثابت في صحيفة أسبوعية تصدر في هذه المستوطنة، وقد رفض الإقامة والسكن في بيت السفير الأمريكي داخل إسرائيل، ثم انتقل إلى شقة صغيرة بالقدس، لأنه كان من أكثر الداعمين لنقل السفارة إليها والمتحمسين لهذا الأمر، ولتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية، فهو صاحب الزعم القائل (إن إسرائيل لا تحتل الضفة الغربية ومن حق المستوطنين أن يستوطنوا فيها لأنها من أرض إسرائيل)!

والجدير بالذكر أن فريدمان هو من المقربين جداً للرئيس ترامب منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، ولهذا عيّنه ترامب مستشاراً له لشؤون العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية أثناء حملته الانتخابية، ثم عيّنه سفيراً لواشنطن في إسرائيل، وذلك في 15 كانون الأول من عام 2016 رغم الاعتراضات المتعددة على ذلك، كما أشرنا قبل قليل. كما كان قبل ذلك يترأس (رابطة الصداقة الأمريكية) مع مستوطنة (بيت إيل)، وقد حولت هذه الرابطة ملايين الدولارات لهذه المستوطنة.

وقد تحول ديفيد فريدمان مع كوشنر (صهر الرئيس ترامب) وغرينبلات (مبعوثه إلى المنطقة) إلى ما يشبه (الجوقة) المثيرة للجدل والتي تركز جهودها الآن لإنجاح صفقة القرن.

أطلق البعض على فريدمان لقب (سفير الاستيطان) لشدة حماسه لهذا الأمر، ولعدائه للعرب عامة وللشعب الفلسطيني بشكل خاص.

بقي أن نشير إلى البيئة التي نشأ فيها ديفيد فريدمان، إذ نشأ في بيئة توراتية متعصبة إلى أبعد الحدود، وأبوه كان حاخاماً لكنيس هيليل في مقاطعة ودمير في ولاية نيويورك، التي تعد من أشد كنس اليهود في أمريكا تعصباً وتطرفاً.

وهنا نعود إلى تصريحات فريدمان التي يزعم فيها أنه من حق كيان الاحتلال الإسرائيلي ضم الضفة الغربية أو معظم أجزائها إلى هذا الكيان، وأنها أراض إسرائيلية بالأساس. نعود لنتساءل: ألا يستحق هذا التصريح الخطير أن تدعو الجامعة العربية إلى اجتماع طارئ للرد على هذه التصريحات؟

بالطبع نطرح هذا التساؤل مع القناعة بأن هذه الجامعة بوضعها الحالي أصبحت مطية للسعودية التي لا يروق لها الدعوة لمثل هذا الاجتماع، بل إنها تدعو إلى قمم للتحريض على إيران التي وقفت وماتزال إلى جانب قضية فلسطين، تدعو إلى قمم تخدم أجندة أمريكا وإسرائيل على غرار القمم الثلاث التي عقدتها مؤخراً (قمة عربية وقمة إسلامية وقمة خليجية)، أما تصريحات فريدمان والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وبالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، فهذه مسائل لا تهم السعودية وحلفاءها، من قريب أو بعيد!

العدد 1104 - 24/4/2024