تعددت المنايا والسبب واحدُ

شروق ديب ضاهر:

أنس وراما وابنهما الرضيع عبد الرحمن، لم تمهلهم صواريخ الغدر الصهيونية على أبواب صحنايا ولم تُبقِ لهم فرصة متابعة الحياة بين من يحبون ويحبهم، يد المنية الآثمة اختطفتهم من أحضان قدر كان من المفترض أن يسير بهم قدماً في دروب الزمن إلى لحظة يمسح فيها عبد الرحمن وجه أبيه الذي غيّرته أخاديد العمر، ويقبّل يد أمه التي أتعبتها تكاليف الحياة، وينقّل ناظريه بين عيونهما تشعان سعادة وهما يغمران حفيدهما الصغير، لكن فجأة الموت كانت أسرع من رتابة الحياة وشظايا آلة القتل الطائرة كانت أسبق إليهم من زحف البقاء.

نزار وميسون وأولادهما الصغار بشر وكريم، لم يمهلوا قطعان الموت السوداء التي اجتاحت مدينة عدرا العمالية قبل سنوات فرصة النيل منهم، فجأة القرار كانت أسرع من رتابة تقدم ذئاب الموت وشظايا القنبلة التي احتضنوها كانت أسبق إلى أجسادهم الغضة من زحف السيوف المسنونة بحجر الحقد البغيض، يد الأب الحانية التي طالما مسحت وجوه أطفاله قبضت على رمانة البارود وصدر الأم الذي كان يتسع لمستقبل العائلة بأسره ضاق بطفلين مخضبين بالدم والبارود ارتميا على أعتاب أضلاعه المتكسرة.

رغم اختلاف طريقة الموت بين المشهدين لكن السبب واحد والقاتل واحد، قبل سنوات أرسل على الأرض قطعان موته السوداء تجتاح ربيع الحياة، فاستشهد نزار وميسون وولداهما، واليوم تسلل القاتل جواً في عتمة الليل بنفسه، فاستشهد أنس وراما وابنهما، ذئاب الحرية المزعومة عاثت في أرض الوطن على مدى سنوات الحرب الثمان خراباً وقتلاً وتدميراً ليخلو الجو لسيدهم وراعي قطعانهم والساهر على علاج جرحاهم.

في وطني تعددت المنايا والسبب واحد، تنوعت المطايا والراعي واحد، تكاثرت الأسنة والصانع واحد، تلونت الرايات والناسج واحد، كل المجازر ممهورة بختم كفر قاسم، مشاهد قطع الرؤوس كلها ممهورة بختم صبرا وشاتيلا، حتى مشاهد الانشقاق (وهذه هي هويتي) ممهورة بختم إدارة الجوازات الصهيونية.

للأفعى رأس وذنب، الذنب قطعه رجال الشرف والإخلاص ومعالم أرض المعركة أضحت واضحة جلية وضوح الشمس وجلائها، الأدوات كثيرة لكن العدو واحد رأس أفعى عمره تسعون عاماً، كل مجازره كفر قاسم وكل ضرباته الجوية قانا، لكن أسود الوطن ورجال الشرف آلوا على أنفسهم في مواجهة الرأس ثباتاً وفي مقارعته صموداً وفي عقيدتهم عهد وميثاق أن تكون كل معاركهم معه ممهورة بختم تشرين التحرير.

العدد 1104 - 24/4/2024