عمر عابد.. شهيد الحزب والمقاومة الفلسطينية

يونس صالح:

في مدينة الباب، من أسرة فقيرة كادحة، تحصل على قوت يومها بكدها المضني، ولد عمر عابد، عام 1959. لم تكن الأسرة تملك لا أراضي ولا أطياناً، وكان أبناؤها منذ نعومة أظفارهم يذهبون إلى العمل لقاء أجور تكاد لا تسدّ الرمق، وهكذا كان مصير عمر.. ففي الوقت التي كان يذهب أبناء بلدته الميسورون إلى المدرسة، كان على عمر أن يترك الدراسة ويدخل إلى مدرسة العمل، مدرسة الحياة التي لا ترحم، وذلك لإعالة أسرته. وقد أعطته هذه المدرسة الكثير، علّمته الإحساس بآلام الآخرين أبناء جيله ومعاناتهم، علّمته معنى التضامن بين الناس الذي يربط بينهم الانتماء المشترك إلى سواد الشعب، والقلق على العمل وعلى مصير الأسرة والمستقبل. ينمو هذا الفتى ويترعرع وينمو لديه حب المعرفة، وروحه الوثابة وعقله الذي لا يكف عن التفكير بأسباب هذا الشقاء الذي تعانيه قطاعات كبيرة من جيله الشاب.

في هذه البلدة كانت تنشط منظمة تابعة لاتحاد الشباب الديمقراطي، يتعرف عمر على مجموعة من أعضائها، ويتعرف على أهدافها وشعاراتها، ويرى نفسه وقد انخرط في صفوفها تدريجياً. عام 1985 كان انتسابه الرسمي، ويتحول مباشرة إلى عضو نشيط في صفوفها. كان متأثراً بالعلاقات الحميمة التي تربط بين أعضاء هذه المنظمة، والاستعداد الدائم لمساعدة الآخرين والتضحية من أجلهم إذا اقتضى الأمر، وفيما بعد عرف أن هناك علاقة تربط هذه المنظمة بالحزب الشيوعي، الذي كان ينشط آنذاك في أوساط كادحي هذه المنطقة، ويتعرف من خلال الاتحاد على نضالات الحزب وعلى مناضليه، ويقرر الانتساب إليه. وفي عام1987 يصبح عضواً في هذا الحزب، ويربط مصيره به. لقد كان على استعداد لتنفيذ أية مهمة متعلقة بالدفاع عن مصالح الكادحين، ومصالح الوطن والشعب.

وعندما أطلق الحزب نداءه إلى أعضائه كي يتطوعوا في صفوف المقاومة الفلسطينية للدفاع عن حق الشعب الفلسطيني في وطنه، انطلاقاً من فكرة ارتباط نضال الشعبين معاً، لم يتأخر الشيوعي الشاب عمر عن الالتحاق بالمقاومة مع جبهة التحرير الفلسطينية، ويقوم معها بمجموعة من العمليات الفدائية المؤثرة في العدوّ. في عام 1991 وفي الرابع والعشرين من آذار، وأثناء العملية الفدائية التي قامت بها مجموعة الشهيد هايل عبد الحميد، والتي كبّدت الإسرائيليين خسائر فادحة، قرب مستعمرة (زرعيت)، استُشهد عمر، ونُعي شهيداً للمقاومة الفلسطينية، ورمزاً لتضامن الشعبين السوري والفلسطيني. استشهد عمر في ريعان الشباب، كان يمكن أن يكون له مستقبل واعد على مختلف الأصعدة، إلا أنه فضّل أن يكرس حياته للوطن، غبر عابئ بمصيره الشخصي، الشجاعة والإقدام هما ما تميز بهما هذا الشاب الحيوي، والاستعداد لخوض الصعوبات مهما كانت بالغة من أجل حياة أفضل للشعب، ومن أجل التحرر من الظلم والاستغلال.

استشهد عمر، لكنه يبقى في ذاكرة الأجيال المقبلة، من الذين سيهبون حياتهم من أجل الوطن والشعب، كشهاب عبر بسرعة خاطفة، إلا أنه خلّف أثراً لن تمحوه الأعوام.

العدد 1104 - 24/4/2024