لأنها النور

كتب بشار المنيّر:

بعد احتجابها القسري الذي استمر نيّفاً وأربعين عاماً، عادت (النور) في 13/5/2001 بإصدارها الجديد كي يعم النور زوايا كانت ومازالت منسية بانتظار شعاع النور.. عادت لتقول للناس: نعم، يحق لكم أن تطمحوا إلى وطن حر وشعب سعيد، في زمن تتحول فيه الأوطان شيئاً فشيئاً إلى شظايا عولمة متوحشة تأكل الأخضر واليابس.

عادت (النور) لأن العامل السوري مازال يبحث عن لقمة شريفة، بحدٍّ أدنى للأجر يقيه الوقوف في طوابير الإعانات، ولأن الفلاح السوري مازال يعاني منغّصات قديمة.. قديمة، وسياسات مجحفة تهمّش الزراعة والمزارع، ولأن المثقف السوري ملّ الرقيب القابع في رأسه.. المقيم.. المقيم، ولأن المرأة السورية مازالت تعاني وطأة تشريعات بالية تعيق طموحها إلى المساواة مع الرجل، وتبقيها قاصرة، موطوءة، لا تملك قرارها.

وأخيراً، فقد عادت (النور) لأننا لم نبتعد يوماً عن هموم المواطن السوري، وكنا حتى في ظروف العمل السري ندافع عن همومه وحقوقه وطموحاته.

أصبنا.. وأخطأنا.. خلال هذه الأعوام، أنجزنا.. وأخفقنا، لكننا لم نترك آهاً في زفرة مظلوم أو ساعٍ لمصلحة سورية إلا تلقّفناها، وعملنا على أن يسمع صداها من يجب أن يسمع.

قبيل الأزمة، وبين أعوام 2006-،2011 نبّهت (النور) إلى خطورة المخططات الأمريكية الموضوعة للشرق الأوسط برمّته، خاصة بعد احتلال العراق، وطالبت باستمرار المقاومة لأطماع الكيان الصهيوني بالتوسع، واختراق النسيج العربي، وبذل كل الجهود لاستعادة الجولان المحتل باستخدام جميع الوسائل.

وتصدّت (النور) بعد ذلك، بوضوحٍ، لسياسات بعض مدبّري اقتصادنا الوطني إعادةَ هيكلة الاقتصاد السوري وفق اقتصاد السوق الحر من جميع القيود الاقتصادية والاجتماعية، ودافعت عن الفئات الفقيرة والمتوسطة التي جرى تهميش مصالحها والانقضاض على مكاسبها، وعن الصناعة الوطنية والزراعة في مواجهة محاولات جدية لاستباحة أسواقنا تحت شعار (الاندماج مع الاقتصاد العالمي).

ووضعنا الاقتراحات الكفيلة بإنهاض اقتصادنا الوطني، بانتهاج سياسات تحقق تنمية اقتصادية اجتماعية شاملة ومستدامة بالاستناد إلى نهج اقتصادي تعددي، تشاركي، يساهم فيه إلى جانب قطاع الدولة، القطاعُ الخاص المنتج، والرساميل الوطنية، ووقفنا في مواجهة النوايا وبعض الإجراءات التي كانت تهدف إلى التخلص من القطاع العام، عن طريق الخصخصة والتفريط بالمرافق الحيوية تحت شعار الشراكة، وحذرت من تفشي الفساد، ومن تنامي سطوة الفاسدين وأثرهم المدمر لا على الاقتصاد فحسب، بل على مسيرة الصمود الوطني برمتها.

في سنوات الجمر أعلنّا منذ البداية أننا مع سورية، وشعبها، وساهمنا مع غيرنا في تحليل الأسباب، واقترحنا البدائل، وحذّرنا من استغلال الخارج المتربص، وطالبنا بإصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي شامل، وأكدنا على كرامة المواطن السوري، وعند بدء الغزو الإرهابي لبلادنا الذي دعمته قوى العدوان الإمبريالي الغربي المتحالف مع حكام النفط وأردوغان، بذلنا جهودنا، مع غيرنا من الصحف الوطنية، في الدعوة إلى الصمود ودعم جيش سورية الوطني في مواجهة الغزو الإرهابي الفاشي، وقدّمنا اقتراحاتنا لتقوية هذا الصمود الذي تشكِّل الفئات الفقيرة والمتوسطة عماده الرئيسي، ولم نسكت عن كل السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي لا تصبّ في تصليب هذا الصمود. واليوم، بعد أن استطاع جيش أبناء السوريين طرد الإرهابيين وأعاد الاستقرار إلى معظم الأرض السورية، وبانتظار الانتصار النهائي ووضع نقطة النهاية لغزو الإرهاب،نبذل ما استطعنا لتهيئة الأجواء لبدء العملية السياسية، ودفع المكونات السياسية والاجتماعية والإثنية الوطنية من أجل التوافق على مستقبل سورية الذي أعلنّا منذ البداية أننا نناضل كي يكون ديمقراطياً.. علمانياً.. تقدمياً.. مدنياً.. واضعين شعارنا الوطني الأهم وهو: سيادة سورية ووحدتها أرضاً وشعباً ولا للتقسيم مهما تعددت أشكاله وتسمياته.

لم تمرّ سنوات الجمر دون أن تترك آثارها على (النور) وأسرتها، ففقدنا الرفيقين إبراهيم قندور وأحمد عليوي، بالرصاص الغادر والقذائف المجرمة، وودّعنا الرفيق باسم عبدو الذي رحل قبل الأوان، لكنه باقٍ معنا دائماً، والرفيق عبد الله الصباغ(أبو عمار) المعلّم.. الذي نهل من ينبوعه الكتّاب والمحرّرون في (النور).

سافر من سافر، وغادرنا من غادر، وزادت الأعباء المالية من همومنا بعد أن فقدنا إيراد الإعلانات، وتضاعفت هذه الهموم بعد أن انسحبت الحكومة من دعم الصحف الوطنية، فلجأنا إلى الخيارات الصعبة بتخفيض عدد صفحات الجريدة، وممارسة سياسة التقشف إلى درجة لا تصدق.

(النور)، صوت العامل والفلاح والمثقف والمرأة والطفل السوريّين.. (النور) مازالت على العهد، منذ أن تأسست في منتصف خمسينيات القرن الماضي، إنها أقرب إليكم من أي وقت مضى، إنها صوت المواطن السوري الذي كان، ومازال، يطمح إلى الوطن الحر، السيد، الذي يعظّم كرامة المواطن وحريته.

بعد إطفاء الشمعة 18 لإصدارنا الجديد، تحية لكل من كتب لـ(النور)، ولكل من انتقد (النور)، ولكل من يقرأ (النور)، وعهداً على أن تبقى (النور) صوت الوطن.. والشعب.

العدد 1104 - 24/4/2024