فن… ولكن؟!

ديمة حسن:

متطلبات الجمهور، متطلبات السوق … هي ذرائع اعتاد إطلاقها صنّاع الأعمال الدرامية التلفزيونية عند سؤالهم عن أسباب انتقائهم وترويجهم لأعمالهم غير المقنعة.

فهل فعلاً باتت متطلبات الجمهور تُختصر بأعمال تجسد الثراء الفاحش والبذخ والتبذير المبالغ به؟! أو استخدام السلطة والسلاح بتفاخر لتحقيق غايات دنيئة؟! أو تجسيد لحالات الخيانة والفساد الأخلاقي المنقطع النظير؟! هل فعلاً باتت عمليات التجميل والسيليكون والنفخ والشد والمجوهرات والألبسة الفاخرة هي النماذج الممثلة للفتيات والنساء في البلد؟! أو باتت العضلات المفتولة وقصة الشعر الموحدة والحركات النمطية لرجولة شكلية مصطنعة خالية من القيم نموذجاً لرجال البلاد وشبابها؟

أحقاً انتفت الحاجة إلى دراما تجسد المعاناة الحقيقة للشعب السوري؟! دراما تجسد آلام السوريين النفسية والجسدية، دراما تجسد أحلامهم وطموحاتهم بحياة أفضل بعد سنوات وسنوات من القهر في هذه الحرب البشعة؟

هل انتفت الحاجة لإنتاج أعمال درامية تحوي قيمة ثقافية ومعرفية حقيقية؟! أم أن لغة السوق باتت الحاكمة الوحيدة، في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الراهنة؟!

هل نستغرب هذا التردي الكارثي في مستوى الأعمال الدرامية الذي يزداد عاماً بعد عام؟

إن ما يحدث الآن هو نتيجة حتمية، فالفن، كواحد من عناصر البنيان الفوقي يعكس فكر الطبقة السائدة وإيديولوجيتها، سيصل بالضرورة إلى هذه الحال، في ظل سيطرة تجار الأزمة ومستفيدي الحرب على مفاصل الحياة الاقتصادية والاجتماعية وأماكن صنع القرار، وسيعكس بالتالي أفكاراً تخدم مصالح هذه الطبقة، في سعي لإبعاد الفن عن مفهومه الحضاري، وجعله أداة لجمع الثروات وتكديسها، كغيره من القطاعات الأخرى.

إن تسليع الفن بهذه الطريقه وترويجه لنمط حياة مسلسلية فارغة من القيم والمبادئ، بعيدة عن الواقع المعيشي الحقيقي بدأ يرخي بآثاره الكارثية التي يمكن ملاحظتها بمراقبة بسيطة لفئة الشباب التي باتت تقلد بشكل ببغائي أعمى وبشكل منفصل عن واقعها شخصيات الأعمال الدرامية.

إن انتشال الفن من هذه الدوامة مرهون بتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية للشعب كلّه، ليكون قادراً على خلق حالة فنية حقيقية تعتمد على الإبداع والفكر الممتزجين بتجارب وخبرات نظيفة تغني الحضارة الإنسانية.

العدد 1104 - 24/4/2024