ذكرى الجلاء.. تحصين الجبهة الداخلية

ديمة حسن:

 لم يكن طعم الجلاء قبل عام 2011 كما بعده، وبالرغم من أن السوريين كانوا قد اعتادوا على الاحتفال بعيد الجلاء واستعادة أمجاد أجدادهم الذين سطروا أروع ملاحم البطولة والتضحية، بدءاً من الشهيد البطل يوسف العظمة، ومروراً بآلاف الشهداء على كامل الأراضي السورية.

إلا أن الأزمة التي عصفت بالبلاد عمّقت أثر عيد الجلاء في نفوس السوريين، وذكّرتهم بشكل حقيقي ملموس بأهمية هذا اليوم وأثره، فبات الجلاء الثاني هو مطلب الشعب السوري وغايته.

لقد نال الشعب السوري استقلاله عن المستعمر الفرنسي بعد ستة وعشرين عاماً، قدّم خلالها السوريون كل ما يملكون فداء للأرض والحرية، وسعياً لإقامة الدولة السورية الوطنية الحرة المستقلة العلمانية، التي جسّد مفهومها شعار الثورة السورية الكبرى الذي أطلقه سلطان الأطرش: (الدين لله والوطن للجميع).

واليوم يتكرر المشهد نفسه، بعد ثلاثة وسبعين عاماً على الاستقلال، وبعد دخول الأزمة السورية عامها التاسع، فما زالت البلاد أمام الأطماع الإمبريالية نفسها التي تجسدها الإدارة الأمريكية وأذرعها الصهيونية والرجعية العربية والتيارات الدينية الفاشية التكفيرية في المنطقة، وما زال السوريون يقدمون كل ما يملكون فداء لأرضهم ووطنهم، وهم اليوم بانتظار يوم جلاء جديد بعودة كل الأراضي السورية المحتلة وعلى رأسها الجولان السوري المحتل، وعودة جميع الأراضي السورية المحتلة من قبل العدو التركي والأمريكي، ودحر كل قوى الإرهاب الفاشية التي عاثت خراباً وفساداً في البلاد.

لكن تحرير الأراضي فقط ليس كافياً لتحقيق مفهوم الجلاء الحقيقي الذي يُشعر أبناء الوطن بالعز والفخر، فمفهوم الجلاء لا يمكن تحقيقه بظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الكارثية للشعب السوري اليوم، فالطبقة المفقرة التي دفعت ولا تزال تدفع فاتورة الحرب الكبرى على جميع الأصعدة هي من تستحق أن تعيش نشوة الانتصار، وليس طبقة تجار الأزمة والفاسدين الذين ساهموا بزيادة أزمة السوريين واستفحالها.

إن الجلاء والانتصار الحقيقي بحاجة إلى تحصين الجبهة الداخلية للشعب السوري عن طريق مجموعة من القوانين التي تضمن حقوق السوريين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وتصون كرامتهم، وإغفال أيّ منها سيفقد الأمر جوهره وبريقه، وسيكون سبباً بإطالة عمر الأزمة وتعقيدها.

العدد 1104 - 24/4/2024