حاجتنا إلى قانون مدني للأسرة السورية

المحامية لويزا عيسى:

صدر قانون الأحوال الشخصية عام 1953 وعُدِّل لأول مرة في عام 1975 بموجب القانون رقم ،34 والتعديل الثاني عام ،2019 مما يدل على الركود الفظيع في حركة التطوير والتحديث للقوانين بشكل عام وقانون الأحوال الشخصية بشكل خاص، لأنه القانون الناظم لحياة الأسرة السورية بكل تفاصيلها.

تضمن التعديل الحالي الصادر بالقانون رقم 4 لعام 2019 تعديل 73 مادة من القانون، بعض التعديلات إيجابي وبعضها سلبي، ونسلط الضوء هنا على بعض هذه المواد، فمثلاً المادة 12 حول الشهادة في صحة عقد الزواج نصت على (حضور شاهدين رجلين أو رجل وامرأتين مسلمين عاقلين بالغين سامعين الإيجاب والقبول فاهمين المقصود بهما). رغم التطور الذي حصل على حياة المرأة في سورية وعلى كل الصعد لم يشفع لها بأن تكون شاهداً كاملاً على صحة عقد الزواج، بل يجب أن تكونا اثنتين، ولو كانتا من أصحاب المناصب أو الألقاب العلمية الكبيرة بغضّ النظر عن مستوى الرجل الشاهد، مع أنه أجاز أن يكون أحد الشهود من دين الزوجة، وأجاز أيضاً شهادة أصول أو فروع الزوجين.

وفي المادة 14 أكد ضرورة تسجيل الشروط في عقد الزواج، حيث أكد في الفقرة الثالثة من المادة المذكورة (لا يعتد بأي شرط إلا إذا نص عليه صراحة في عقد الزواج).

في المادة 16 تكمل أهلية الزواج في الفتى أو الفتاة ببلوغ 18 من العمر، وقد كانت قبل التعديل سن الزواج للفتاة 17 من العمر، وهنا تمت المساواة بين الفتاة والفتى في سن الزواج، لكن التعديل لم يمنع الزواج في سن ما قبل ،18 وهذا نقص في التعديل يجب تلافيه.

وفي المادة 18 أعطى الحق للقاضي أن يأذن للمراهق والمراهقة بالزواج بعد إكمال سن 15 إذا تبين للقاضي صدق دعواهما واحتمال جسميهما، ومعرفتهما بالحقوق الزوجية.

هذا الزواج يتنافى مع مصلحة المراهقين لتبعاته العديدة ومنها:

  1. خروجهما من المدرسة في سنّ مبكر وعدم متابعتهما للدراسة.
  2. تعرّض الفتاة لمخاطر الحمل المبكر وتبعاته.
  3. المسؤولية الاقتصادية عنهما تبقى على عاتق الأهل.
  4. هذا الزواج مخالف لرفع سن الزواج إلى 18 من العمر، ومخالف لاتفاقية حقوق الطفل التي تعتبر في المادة الأولى منها (يعني الطفل كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه)، صادقت سورية على هذه الاتفاقية في عام 1993 مما يوجب إلغاء زواج الأطفال المراهقين.

في المادة 54 الفقرة الثالثة منها نصت على عند استيفاء المهر كلاً أو بعضاً تكون العبرة للقوة الشرائية للمهر وقت عقد الزواج على ألا يتجاوز مهر المثل يوم الاستحقاق ما لم يكن هناك شرط أو عرف خلاف ذلك، وفي الفقرة الرابعة يعد مهر المرأة دَيناً ممتازاً يأتي في الترتيب بعد دين النفقة المستحقة المشار إليه في المادة 1120 من القانون المدني، وهاتان الفقرتان من إيجابيات التعديل.

في المادة 137 أضاف المشرع شرطاً جديداً لم يكن موجوداً في القانون وهو (الاتحاد في الدين مع المحضون بعد إتمامه خمس سنوات من العمر)، فهل يعقل مثل هذا الشرط؟ فالطفل ماذا يريد من الحاضنة التي هي أمه في أغلب الحالات غير الحب والعطف والحنان. لماذا هذا الشرط؟ وهل يعلم الطفل التمييز الطائفي بهذا السن؟

جاء في الفقرة الأولى من المادة 146 تنتهي مدة الحضانة بإكمال الولد (ذكراً كان أو أنثى) الخامسة عشرة من العمر، وهنا تمت المساواة في فترة الحضانة ولا شك أن الأمهات سررن بذلك، ولكن من جهة ثانية زادت المسؤوليات والمتاعب بما ألقي على عاتق الأم، وأغفل القانون الانتباه لأمر أساسي هو تأمين المسكن ومستلزماته وكذلك النفقة الكافية للمحضون، والمدة أصبحت طويلة والمصاريف شرحها يطول.

فكيف أغفلت اللجنة هذه الأمور المهمة؟ وعلى منفذي القانون تدارك هذه الأمور وتلافي النواقص في القانون (خاصة عندما تكون الأم هي الحاضنة) ولا يغيب عن بالنا أن هذه الفترة الطويلة من المحتمل أن تضيع فرصة الزواج بالنسبة للأم الحاضنة.

أعطى القانون حق الحضانة للأب بعد الأم مباشرة والولاية للأم بعد انتهاء العصبات وهذا صعب تحقيقه، كما أعطى التعديل لأولاد البنت المتوفاة قبل أصلها حصتها من إرث والديها، أي الوصية الواجبة لهؤلاء الأحفاد، وهذا أيضاً تعديل ايجابي حقق المساواة بين أولاد الإخوة والأخوات في الميراث حسب نص المادة ،257 تكون هذه الوصية للطبقة الأولى من أولاد الابن وأولاد البنت فقط (للذكر مثل حظ الأنثى).

التعديل الجديد ألغى صفة الطلاق التعسفي وشرط إصابة المرأة بالبؤس والفاقة وأطلق على الطلاق بإرادة الرجل المنفردة دونما سبب معقول، ومن غير طلب منها، استحقت تعويضاً من مطلقها بحسب حاله وبما لا يتجاوز نفقة ثلاث سنوات لأمثالها فوق نفقة العدة.

نصت المادة 74 على: لا نفقة لمعتدة الوفاة ما لم تكن حاملاً، هذا شرط جديد وغير ضروري.

عدة الوفاة مدتها أربعة أشهر وعشرة أيام، فكيف تعيشها الأرملة بدون نفقة؟ ومن سينفق عليها؟ ومن الممكن أن تكون كبيرة بالعمر أو آيسة؟ وهي غير ذات مال، أهكذا يكون التشريع عادلاً ويحرم معتدة الوفاة من النفقة إن لم تكن حاملاً؟ لماذا هذا الشرط وما الحكمة منه؟ يجب إلغاؤه فوراً.

و في المادة 84 جاء: نفقة العدة كنفقة الزوجية ويحكم بها من تاريخ وجوب العدة.

لم يتطرق التعديل لتعدد الزوجات، مما يدل على موافقة اللجنة على إبقاء الحال كما هو، ويعتبر هذا خطراً على مستقبل البلاد بالفوضى بعدد الأولاد وضعف صحتهم ودراستهم وترتيب أمور حياتهم، وهنا أذكّر بالآية الكريمة الواردة في سورة النساء: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى، فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة، أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا) وشرط العدل هنا كاف ليلغي التعدد، لأن تحقيق العدل صعب جداً، وهذه الآية تتعلق بالعدل بين اليتامى وليس بين النساء.

نكتفي بهذا القدر وللبحث صلة.

العدد 1104 - 24/4/2024