من القلب إلى القلب | حكاية أمي عن ثمرة الكمأة!

عماد نداف:

لم أكن أتوقع أن يأتي موسم (الكمأة) هذا العام على النحو الذي شاهدناه..

غصّت أسواق الخضار بهذه الثمرة السحرية التي لا يزرعها أحد، ويمكن مشاهدتها في الأسواق، وقد تم فرزها أكواماً حسب النوع والحجم، ويمكن مشاهدة البائعين الجوالين وهم ينادون عليها بأسعار مغرية، وهذا لم يحصل طيلة حياتي!

وللكمأة أكثر من حكاية، أجملها حكاية روتها لي أمي قبل خمسين عاما، فإذا كانت الحقيقة العلمية لولادتها دون زراعة أو بذور تتعلق بالمطر وتحلل التربة، فإن تسميها ب(الفقع) أو (بيضة الأرض)، تعود لأنها تنمو تحت سطح الأرض، وليس لها أوراق ولا جذور ولا سيقان، وهي لا تظهر إلا في حالات البرق والرعد نظراً لحاجتها  إلى النيتروجين المتواجد في التربة..

إن هذه التفاصيل العلمية، جعلت الحكاية الشعبية تبني عليها قصصا أخرى، فماذا تقول أمي؟!

تربط أمي قصة ظهور (الكمأة) في الأرض، بحكاية تروى عن الخليفة عمر بن الخطاب الذي صادف في تجواله على الرعية أسرة فقيرة جائعة في الصحراء، فراقب حالها: كانت الأم في تلك الأسرة تجلس أمام قدر كبير وضعته فوق الموقد ويتجمع حوله أطفالها الجائعين وهم يبكون ويصرخون والطعام لاينضج!

عرف الخليفة من الأم أنها وضعت الحصى في الماء المغلي لتشغلهم عن الجوع، ولذلك ذهب عمر وأتاها بالطعام من بيت المال، دون أن تعرف أنه الخليفة!

تضيف أمي  إلى الحكاية تفاصيل أخرى، فعندما شاهد عمر بن الخطاب أطفالها وقد فرحوا بالطعام، الذي أتى به، وراحوا يلتهمونه بسعادة غادر المكان، وقامت الأم بطرح القدر المليء في الحصى والحجارة المغلية في الصحراء دون أن تعرف أن هذه الحجارة ستصبح غذاء طيبا يباع بأغلى ثمن!

وسألتُ أمي:

– كيف تحولت الحجارة  إلى طعام طيب؟!

فأجابت:

– أنبت الله بدلاً عن الحجارة والحصى نباتا اسمه (الكمأة)، وهو ينبت في البراري، وعلى الجائعين والفقراء أن يبحثوا عنه وهو يرشدهم إليه بقبة صغيرة من التراب تشبه بيت الخلد..

وسألتُها:

– هل هو طيب؟! فأجابت:

– نعم، إنه أطيب من اللحم.

وفي موسم الكمأة اشترت لنا أمي كمية بسيطة منه لأن أسعاره كانت مرتفعة، ونظفتها وطبختها وقدمتها لنا لنتذوقها. نعم كانت طيبة لذيذة. لايزال طعمها في فمي منذ ذلك التاريخ..

ولا أخفيكم، فقد كانت تلك المرة الأولى والأخيرة التي تذوقت فيها طعم الكمأة، وقد عرفت حكايتها الشيقة من أمي!

العدد 1104 - 24/4/2024