مبادرات جديدة حول الأزمة السورية.. الشعب السوري متمسك بثوابته الوطنية

 تحرير الأرض..  رفض التقسيم.. وحدة سورية أرضاً وشعباً .. لا مناطق آمنة

 تركيز الجهد الحكومي لدعم صمود المواطنين

 

تتكشّف يوماً إثر يوم خلّبيّة قرار الولايات المتحدة سحب قواتها من سورية، وما يبدو اليوم حقيقة جليّة هو التحرك الأمريكي الساعي إلى تعقيد الأزمة السورية، وإدخالها في نفق يصعب الخروج منه إلا بما يشبه المعجزات!

وكما كتبنا على صفحات (النور) فإن للسياسة الأمريكية ألف وجهٍ ووجه، وهذا ما تؤكده سيناريوهات الضغط والتدخّل الفظّ في شؤون أكثر من بلد في جميع أرجاء العالم (روسيا- الصين- فنزويلا- كوريا- فلسطين- سورية- العراق- لبنان… والقائمة تطول.. وتطول). أما براغماتية (أوباما) وإدارته التي عملت من تحت الطاولة، فقد حوّلها (ترامب) إلى الانقضاض المباشر، بصورة علنية.. وواضحة،  مترافقةً بوقاحةٍ في تبريرها وفرضها على شعوب العالم.

الأمريكيون يسعون اليوم، بشكل واضح لا لبس فيه، إلى تقسيم سورية، رغم تصريحاتهم بالحفاظ على وحدتها وسيادتها، ويلعبون كعادتهم على أكثر من حبل، إذ يغذّون نهم أردوغان إلى قضم الأرض السورية، وفرض وصايته على ما يسمّيه (منطقة آمنة)، وهم في الوقت ذاته يتهاونون في تنفيذ قرار سحب قواتهم، ويعلنون إبقاء أعداد من عسكرييهم دعماً لموقع بعض الزعماء الأكراد، ويشجّعون الكيان الصهيوني على استخدام ورقة (الإيراني) في سورية، كلافتة للتدخل والعدوان عليها، دعماً للغزاة الإرهابيين وحلفائهم في الداخل، ويعرقلون كلّ جهد سلمي لحل الأزمة السورية إلا وفق سيناريو متوافق مع أطراف عدة.. لها غايات ومآرب متعارضة، تحتاج إلى صفقة قد تبدو (صفقة العصر) أمامها مجرّد حكاية.

الضغط الروسي للعودة إلى قاعدة الحلول السلمية، المتمثلة باستمرار مكافحة الإرهاب، والحفاظ على وحدة سورية أرضاً وشعباً، يصطدم اليوم بالسلوك العدواني لأردوغان، وبالسعي الحثيث إلى تقسيم سورية تحت شعارات عدة، وبوجود القوات العسكرية الأمريكية والغربية، وبالضغوط السياسية والاقتصادية على سورية، وتكالب حكام النفط على تحقيق ما عجزوا عن تحقيقه من خلال غزو الإرهابيين. وحتى اليوم، فإن التزامات تركيا، التي تعهد أردوغان بتنفيذها سواء في القمة الثلاثية، أم في لقائه مع الرئيس بوتين، لردع الإرهابيين والمساعدة على بدء العملية السياسية، يبدو أنها لن تجد طريقها إلى التنفيذ. كما لم تتضح حتى اليوم ماهية اقتراح الرئيس بوتين الذي طرحه مؤخراً، والمتضمن تشكيل مجموعة دولية جديدة تضم جميع دول المنطقة بهدف التوصل إلى حل سياسي.. واستقرار نهائي في سورية، رغم تمهيده لاقتراحه هذا بالخطوط العريضة للحل، والتي تركز على سيادة سورية ووحدة أراضيها، وإنهاء وجود الإرهابيين على أرضها، ويبدو أن الأوربيين يدرسون الاقتراح بتمهل، ولم تصدر على الأقل حتى اليوم ردود أفعال منهم، وقد لا تُعلَن. أما الحكومة السورية التي انخرطت في العملية السياسية، وتبذل جهداً لافتاً لإنجاحها مع الحفاظ على الثوابت الوطنية، فلم يصدر عنها سوى إشارة أرسلها الدكتور الجعفري في لقائه مع قناة (الميادين)، فقد أكد استعداد سورية لبذل الجهود من أجل إنجاح أي مسعى سلمي يحقق مصالح الدولة السورية وشعبها، وأن القيادة الروسية (حتى تاريخ التصريح قبل أيام) لم تعلم الحكومة السورية حول هذا الاقتراح، وعبّر عن اعتقاده بأنها ستتشاور قريباً مع الجهات السورية حوله، لكنه، في الوقت ذاته، أعلن رفض سورية لوجود الكيان الصهيوني في أي مجموعة دولية تهتم بالشأن السوري، وبالجهود السلمية.

السوريون، بعد سنواتٍ مرّة، عانوا خلالها تبعات الحصار.. والغزو الإرهابي، ومصاعب الحصول على اللقمة والدواء والدفء والأمن والاستقرار، مازالوا متفائلين بقرب النهاية لعذاباتهم، فقد استعاد الجيش السوري وحلفاؤه معظم الأرض السورية، من سيطرة الإرهابيين، وهو يسعى إلى وضع نقطة النهاية لوجود بعض البؤر الإرهابية المتبقية، مستنداً في ذلك إلى صمود الشعب كداعم رئيسي، وهذا ما يدفع التفاؤل إلى صدور السوريين، لكنهم، في الوقت ذاته، ما زالوا قلقين.. ومتوجّسين إزاء التعنّت الأمريكي.. والغطرسة الأردوغانية.. وأحلام الكيان الصهيوني التوسعية، لذلك فإنهم اليوم يطالبون حكومتهم بالتركيز على تأمين الأولويات لدعم صمودهم خلف جيشهم الوطني، لمواجهة أي مخططات تسعى إلى النَّيل من سيادة سورية، ووحدتها أرضاً وشعباً، إن دعم صمود جماهير الشعب السوري اليوم، يُعدّ حجر الزاوية في مقاومة هذه المخططات، فلا يجوز التساهل ولا المماطلة في حل المعضلات المعيشية، ولا يجوز السكوت عن الفوارق التي تتفاقم بين الأجور والأسعار، ولا يجوز التباطؤ في مكافحة أثرياء الحرب وتجارها والفاسدين المرتزقين من تضحيات الشعب وصموده.

لن يرضى شعبنا إلا بسورية السيدة.. المستقلة.. الواحدة، التي تضم كل مكوناتها الاجتماعية والإثنية، ولن يتساهل إزاء أي مسعى لحلّ أزمته لا يأخذ بالحسبان مطالبه وثوابته الوطنية.

العدد 1104 - 24/4/2024