الجبهة الوطنية التقدمية في ذكرى تأسيسها السابعة والأربعين

بقلم: الرفيق حنين نمر الأمين العام للحزب الشيوعي السوري الموحد:

في عام 1972 تأسست في سورية، في غمرة تبدّلات كبيرة في البناء السياسي للدولة، جبهةٌ تضمّ أحزاباً سياسية، وطنية وتقدمية، وذلك إثر تفاعلات مختلفة فكرية، على الأخص، وسياسية، بينها، مع تحديد سمت الاتجاه العام الذي يجب أن تسير عليه البلاد من النواحي السياسية والاقتصادية والفكرية كافة.

ولم يكن الوصول إلى قواسم مشتركة بين الأحزاب المتحالفة هذه أمراً يسيراً، إذ إنها تنحدر من منابع فكرية وسياسية متعددة: الشيوعي، والبعثي، والناصري، والوحدوي وغيرها.

وكان من الطبيعي إذاً أن تبرز على مختلف المحاور آراء مختلفة، منها تقييم المرحلة التاريخية التي تمر بها سورية، وحول ضرورة الخط التقدمي القومي الذي يحشد من حوله كل طبقات الشعب السوري، لتحرير الجولان المحتل والمساهمة مع الدول العربية الوطنية، ومع الجماهير العربية، في الصراع مع العدو الإسرائيلي. وقد حُسم في نهاية الأمر عندما أطلق على هذه الجبهة، وهذا التحالف، اسم: الجبهة الوطنية والتقدمية، بجناحيها الاشتراكي والقومي، اللذين يمثلان الأكثرية الساحقة من الشعب، الذي يطمح إلى العدالة الاجتماعية، وتحرير الأرض، ونصرة فلسطين، وإلى الوحدة العربية.

وها قد مضى على التأسيس سبعة وأربعون عاماً، فما الذي حصل؟

لقد عاشت الجبهة على مدى هذه العقود عدداً من التحديات المختلفة، أهمها كان اتخاذها القرار بخوض حرب تشرين التحريرية عام ،1973 التي شكلت الحدث الأبرز في تلك الحقبة التاريخية، وبرهنت أن القضية الوطنية تحتل مركزاً ممتازاً في صلب تفكير السوريين وعقلهم وإيمانهم. وما إن استعادت سورية كرامتها الوطنية، في هذه الحرب، حتى دخلت الحقبة الثانية من تاريخها، وهي مواجهة الاستحقاقات التي تفرضها عليها معاهدة كامب ديفيد والصلح المنفرد مع إسرائيل، إذ شعرت سورية أنها موجهة ضدها بقدر ما كانت موجهة ضد القضية الفلسطينية.

وإذا أردنا الإجمال، نقول إن المواقف القومية العربية لسورية، في ظل الجبهة، كانت غاية في الوضوح والتجاوب مع مشاعر الملايين من أبناء الأمة العربية والذي تجلى، أكثر ما تجلى، في تماسك الجبهة ووحدة مواقف أحزابها ضد العدوان الإرهابي الإمبريالي الأخير على سورية.

أما على الصعيد الداخلي فقد سعت قيادة الجبهة لتوسيع مجال عمل أحزابها إلا إن ذلك لم يكن كافياً، فقد فهم بعض المسؤولين الجبهة أنها مشروع احتواء للأحزاب المكونة لها، وباسم الدور القيادي لحزب البعث تقلّص أكثر فأكثر تمثيل أحزاب الجبهة، سواء في الوزارات أو مجلس الشعب والإدارة المحلية والمنظمات الشعبية والنقابات المهنية، وانقطعت الاجتماعات فترة لا بأس بها، وتناسى البعض أن قوة الجبهة هي من قوة مكوناتها، لكن الأصوات التي تنادي بإجراء اصلاحات إدارية وديمقراطية واجتماعية ومكافحة الفساد ليست قليلة، خاصة أن البلاد أمام استحقاقات جديدة تتمثل في ضرورة الوقوف بوجه الرجعية وفلول الإرهاب وعملاء الغرب بكل إمكانياتنا.

إن الشعب أيضاً قد أعياه تراجع مستوى المعيشة بهذا الشكل، مع تشكّل فئات رأسمالية جديدة تمتص دم الشعب والدولة بوقت واحد، وانتشار ظاهرة الفساد.

إننا مع استمرار اعتبار الجبهة نواة للوحدة الوطنية، ونرى أنه كان يمكن لها أن تقدم إنجازات أكثر، ولكن الظروف الموضوعية عرقلت إحراز تقدّم أكثر، ولنا ثقة بأن  المرحلة الجديدة لتطور الجبهة ستكون مليئة بنجاحات أكثر فأكثر.

العدد 1104 - 24/4/2024