عن اغترابنا الأخلاقي نتحدث

ديمة حسن:

الفساد الأخلاقي الاجتماعي، الفساد الأخلاقي الاقتصادي والمهني وغيرها من أشكال الفساد، هي ظواهر ليست بالجديدة على مجتمعاتنا، ولكنها طفت بشكل واضح على السطح في الأزمة الحالية التي تعيشها البلاد، حتى أنها لشدة تغلغلها بدأت تأخذ مسميات ومبررات عديدة تبعاً لحالاتها، مبررات بعيدة عن القيم والمبادئ الأخلاقية العامة للمجتمع السوري.

فما الذي يحدث؟!

لطالما كانت قضية الأخلاق واحدة من أهم النقاط التي سيطرت على وعي الانسان، وذهب الكثيرون لإرجاعها إلى أسباب وجودها، فمنهم من أرجعها إلى الذات لا غير، على اعتبارهم أن الإنسان هو مبدع الأخلاق الوحيد، ومنهم من أرجعها إلى إرادة أوامر الإله عن طريق الأديان المختلفة وتعاليمها.

وفي الحالة الأولى سنجد منبع الأخلاق الوحيد هو نفسه لا أخلاقي في كثير من الحالات، وفي الحالة الثانية فإن الأديان وتعاليمها هي ذاتها لم تتغير على مر السنين، وبالرغم من انتماء معظم السوريين إلى أديانهم بقوة، إلا أن أخلاق الكثير منهم قد ضاعت ولم يردعهم إيمانهم عن الممارسات اللا أخلاقية.

لذلك سنجد أن التحليل الماركسي للأخلاق هو الأكثر دقة، عندما ربطها بالأساس الاجتماعي والاقتصادي، إذ تعكس علاقات ملكية وسائل الإنتاج.

لذلك فإن اعتبار الأخلاق من البديهيات الواضحة بذاتها والمستقلة عن التطور الاجتماعي أو إرجاعها إلى تعاليم وأديان مختلفة لهو أمر بعيد عن الواقع، فالأخلاق مشروطة اجتماعياً وتاريخياً، يؤثر فيها تطور القوى المنتجة والعلوم والمؤسسات والفنون، وبالتالي نستطيع أن نخلص من ذلك لما يجري في بلادنا، فالأخلاق السائدة في أي عصر من العصور هي أخلاق الطبقة السائدة، فعند سيطرة النفعيين وتجار الأزمات سيكون حالنا ما نحن فيه، وسيتم الترويج من قبل هذه الطبقة لتعارض الأخلاق مع السلوك الفعلي للناس.

فنجد المجتمع اليوم غارقاً في اغتراب أخلاقي تتحول فيه العلاقات بين الناس لعلاقات بين الأشياء، بشكل مفصول عن الإنسانية، وتقاس قيمة الفرد بمقدار الخدمات التي يمكن أن يؤديها والفائدة التي يستطيع تحقيقها، فيسعى الناس دون اكتراث لاستخدام بعضهم بعضاً واستغلال بعضهم، أو حتى استخدام أنفسهم لتحقيق أهداف ومنافع معينة.

إننا اليوم أمام واقع صعب جداً، وتغييره مرهون بتحسين المستوى الاقتصادي لأبناء الطبقة المفقرة الكادحة، الذين يجب أن تُحكَم البلاد بناء على مصلحتهم، فهم من صانوا كرامة الوطن واستقلاله وهم من دفعوا فاتورة الحرب الكبيرة.

فرفع السوية الاجتماعية الاقتصادية لعموم السوريين، أبناء هذه الطبقة، وربطها برفع المستوى التعليمي وغيره، سيساعدهم في فهم القيم التي تحملها العلاقات الاجتماعية على أنها إنجازات شخصية لهم، فتصبح تلك القيم حوافز أخلاقية ونواظم تؤدي بالتالي إلى بناء المجتمع على أساس المستوى العالي من الوعي والشعور بالمسؤولية والنضج الأخلاقي، عند ذلك سنعود لنخطو خطوة للأمام على طريق التطور الحضاري بعد الأميال الكثيرة التي عدناها إلى الوراء.

العدد 1104 - 24/4/2024