مطالب يسارية في معظم الساحات المنتفضة… فهل سينهض اليسار؟

محمد علي شعبان :

بعد تفكيك الاتحاد السوفيتي، وتفرّد الولايات المتحدة الأمريكية بالسيطرة على القرار العالمي، منذ تسعينيات القرن الماضي، وظهور بعض الساسة والمفكرين، الذين روجوا لانتصار الرأسمالية في العالم، ولاستحالة عودة اليسار إلى النهوض ثانية، متفردين بالساحات الإعلامية، معتمدين بذلك على تحليل بعض المثقفين، الذين نشؤوا وترعرعوا في مراكز الأبحاث التي شيدتها الإمبريالية العالمية في جميع البلدان الرأسمالية، والتي تهدف إلى تقديم ثقافة مضللة، تعمل على تشويه الأفكار اليسارية، والشيوعية، وتحميلها المسؤولية عن تأخر بعض البلدان التي اعتنقت الأفكار الاشتراكية، وحكمتها سلطات تجيد التنسيق مع الدول الرأسمالية التي تعادي النظم الاشتراكية بالشكل والمحتوى، وتعمل على حصارها بغية إفشالها.

لكن حركة التاريخ أقوى من جميع التمنيات والرغبات، التي تحلم بها، وتعمل من أجلها معظم الدول الرأسمالية، بالتشارك والتنسيق مع حلفائها من الدول التابعة كدول الرجعيات العربية والتابعين لها في باقي البلدان.

إن الرياح اليسارية التي هبت في عقر دار الرأسمالية، خير دليل على حتمية الصراع بين المستغلين من جهة، وطبقة صف العمل التي تضم كل الشرائح المنتجة من جهة ثانية، التي يقع على كاهلها مسؤولية النهوض بالمجتمعات وتحررها من هيمنة رأس المال المتوحش بأشكاله المختلفة.

فحتمية الصراع قائمة، ما دامت العدالة الاجتماعية لا يمكن تحقيقها في المجتمعات الرأسمالية، التي تقوم أساساً على استغلال الإنسان الرأسمالي للإنسان المنتج الذي ينتمي إلى صف العمل.

ما يجري في فرنسا وبعض الدول الأوربية، والسودان، ولبنان، هي احتجاجات من اجل تحقيق مطالب اليسار العالمي، ودليل على عدم إمكانية الدول الرأسمالية على امتصاص نقمة الطبقات الاجتماعية المنتجة دون تحقيق مطالبها، حتى ولو اقتضى الأمر الاعتداء على حقوق شعوب دول العالم الثالث، كما تفعل الدول الاستعمارية دائماً.

إن ثقباً ما بدأ يتسع في فرنسا بلد الحريات، وتنتقل رياح الاحتجاجات إلى باقي البلدان تدريجياً، لإيصال بعض الرسائل الاحتجاجية على السياسات الجائرة، التي تمارسها الأنظمة الرأسمالية وحلفاؤها في العالم، من ليبراليين جدد، وشركات عابرة للقارات.

إن انتقال الاحتجاجات إلى السودان، ولبنان، والمشاركات الواسعة من أطياف متنوعة ومتعددة تتصدر الاحتجاجات، وفي مقدمتها عدد من الأمناء العامين للأحزاب التاريخية العريقة، التي كانت في طليعة المقاومة اللبنانية ضد الاحتلال الصهيوني، هو خير دليل على أن اليسار العربي يتحضر لمرحلة جديدة من النضال ضد سلطات أفقرت الشعوب، ومارست التسلط والاستبداد ومزقت المجتمعات على أسس طائفية ومذهبية ومنعت قيام دولة وطنية قوية.

إن وجود الرفيق خالد حدادة (الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني) إلى جانب أسامة سعد (الأمين العام للحزب القومي الناصري) في مقدمة المحتجين يداً بيد، يحمل رسالة واضحة، ليس للداخل اللبناني وحسب، إنما توجه للعالم العربي، وخاصة للأحزاب الشيوعية والقومية المنتشرة في جميع البلدان العربية، وهي صاحبة المشروع النهضوي والتنويري وانحيازها الواضح للطبقات الفقيرة في العالم، والتي زادتها فقراً سياسات الأنظمة الشمولية المستبدة وهمشتها لمدة نصف قرن من الزمن.

هذه الأحزاب مازالت تحتفظ بحامل اجتماعي كبير جداً لو تحرك لغيّر وجهة التاريخ.

إن الشرارة التي انطلقت من فرنسا، بمطالب اقتصادية اجتماعية صريحة، هي مطالب اليسار الشيوعي والقومي العربي، وظهر صداها في المدن السودانية، والدور الفاعل للحزب الشيوعي السوداني بتحمل مسؤولياته التاريخية، كما فعل الحزب الشيوعي اللبناني، والحزب القومي الناصري حين وضعوا الكرة في ملعب الأحزاب الشيوعية في جميع البلدان العربية، ويسائلونها: هل تتحمل مسؤولياتها التاريخية، وتعيد قراءة اللوحة والمتغيرات الجديدة، لتبدأ بتجميع قواها وتحضير نفسها، لمرحلة جديدة فرضتها المتغيرات الدولية؟!

إن واجب وحق كل اليساريين في العالم، وفي مقدمتهم الشيوعيون، المبادرة إلى وحدة الصف بعيداً عن المصالح الفئوية الضيقة، والعمل على تصحيح المسار الخاطئ الذي فرضته قوى العدوان الإمبريالية بالتحالف مع دول الرجعيات العربية، والانتقال من حالة التعايش السلبي التي دفعت المجتمعات ضريبتها غالياً خلال ربع قرن من الزمن، إلى مرحلة جديدة، والعمل على خلق ظروف جديدة تعيد اليسار إلى مكانته التي لا تستطيع قوة أخرى القيام بمهامه.

العدد 1104 - 24/4/2024