آن الأوان لحماية الليرة السورية

شهد سعر صرف الدولار في الأسابيع الماضية ارتفاعاً تجاوز فيه عتبة الـ500 ل.س للشراء، وأكثر من ذلك للمبيع، في حين سجل سعر صرف الدولار في البنك المركزي أقل من ذلك للشراء والمبيع، وهو ما يطرح تساؤلات حول قدرة الحكومة على تثبيت سعر الصرف لفترة طويلة بما يسهم في تخفيض الأسعار.

لقد كان منتظراً، مع تحسن الوضع السياسي والعسكري في البلاد، الذي كان سبباً في انخفاض سعر صرف الليرة السورية خلال فترة معينة، وخصوصاً بعد عودة الأنشطة الاقتصادية في كثير من القطاعات كما تقول الحكومة، وفتح المعابر الحدودية، التي تسهل حركة التجار الخارجية البرية مع الدول المجاورة، كان منتظراً ويجب أن نشهد تحسناً في سعر صرف الدولار اليوم، لكن بدأ سعر صرف العملات الأجنبية بالارتفاع مجدداً وسط توقعات بارتفاع الدولار أكثر في الأيام القادمة، في سعيٍ للمضاربين مستمر لجني مبالغ كبيرة في وقت قصير.

إن المواطنين ليس لديهم أية معلومات يتخذون على أساسها القرار الصحيح لحماية مدخراتهم، فيقومون باقتناء الدولار في رغبة منهم للاحتفاظ بقيمة ما لديهم من مدخرات، وهذا الإقبال على حيازة الدولار سيزيد عرض الليرة ويرفع الطلب على الدولار، فتسجل الليرة السورية هبوطاً جديداً حسب قانون العرض والطلب، لتلامس مستويات جديدة مقابل العملات الأجنبية وخصوصاً الدولار، ويترك المواطن السوري البسيط عرضة لارتفاع سعر الصرف للدولار الذي يلتهم مدخراته، إذا وجدت، ويضعف قدرته الشرائية من خلال غلاء أسعار السلع الأساسية، في ظل عدم وجود سياسة معلنة للمصرف المركزي للدفاع عن الليرة السورية مقابل أي عملة أجنبية ضمن هوامش معينة.

وبغض النظر عن مصدر التوقعات التي تطول سعر الليرة السورية، سواء كان مصدرها مضاربين محليين أو خارجيين، فهي ضد مصلحة الاقتصاد الوطني، ويمكن أن تسبب الكثير من الفوضى والخسائر للمواطنين وللدولة معاً.

حتى التجار والصناعيون، ومن يعتقد أنه يربح من انخفاض سعر الليرة السورية مقابل الدولار، سيكون على المدى المتوسط خاسراً، لأن أي ارتفاع في سعر الدولار سيؤدي إلى تدني القوى الشرائية للمواطنين الذين يشكلون المستهلكين أو الزبائن، الأمر الذي ينعكس سلباً على المنتجين والتجار نتيجة لانخفاض الطلب الكلي على السلع والخدمات في البلد.

ولذلك، ومن أجل عودة التوازن لواقع صرف الدولار، يجب على المصرف المركزي العمل باستراتيجية جديدة تكون ديناميكية أكثر، تؤمن استقراراً في سعر صرف العملة الوطنية تجاه العملات الأجنبية، لأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى تحسين النشاطات الاقتصادية المختلفة سواء للمنتجين أو المستهلكين.

لا مصلحة لأحد، باستثناء السماسرة والمشتغلين بالمضاربة، في ارتفاع وانخفاض سعر الصرف، بيد أنه لا يمكن التكهن بالخطوات القادمة لحاكم المصرف المركزي الجديد بخصوص السيطرة وضبط السياسية النقدية للبلاد، إلا أنه من الواضح أن عودة التقلبات المفاجئة في سعر الصرف تثير مخاوف أوسع فئات الجماهير الشعبية.

لقد آن الأوان لحماية الليرة السورية، وعلى  الحكومة أن تكون جدية في معالجة المسائل التي تهم الوطن والشعب، والأمر هنا لا يقتصر على المعالجة الآنية لارتفاع سعر القطع، بل التركيز على إنهاض القطاعات المنتجة في البلاد، وخاصة الزراعية والصناعة، فسعر أي عملة في أي دولة في عالمنا يرتبط بفاعلية اقتصاد هذه الدولة.

ساعِدوا  المنتجين الحقيقيين على تشغيل منشآتهم كي تعود الليرة إلى سعرها الحقيقي أمام القطع الأجنبي!

العدد 1105 - 01/5/2024