التربية البيئية من ضرورات التنمية المُستدامة

إيمان أحمد ونوس: 

يُعاني عالمنا اليوم بكل اتجاهاته انحرافات خطيرة فيما يخص الحفاظ على موارد الأرض، لأجل استمرار الوجود البشري فيها وتلبية احتياجاته الحياتية. وذلك عائد في قسم كبير منه للثورة الصناعية وانبعاثات مخلّفاتها في الفضاء ممّا فتح ثقباً في الأوزون، ما عزز الاحتباس الحراري وموجات الجفاف التي تشهدها الأرض، إضافة إلى ذوبان كتل كبيرة من الجليد بعد أن كانت تُشكّل توازناً طبيعياً.

فكيف يمكننا تغيير العقلية المسؤولة عن هذا التخريب إلى عقلية وطبيعة إنسانية، من أجل الوصول إلى إطالة عمر الحياة البيئية المستدامة على الأرض والعودة إلى التوافق مرّة أخرى مع الطبيعة؟

أعتقد أننا جميعاً نمتلك الجواب السهل والسريع، وهو أن يتمّ أولاً لجم جموح الدول الصناعية من أجل تحقيق فعليّ لالتزامها بالمعاهدات الدولية الخاصّة بالمناخ.. هذا صحيح تماماً مثلما هو ضروري ويحتاج إلى حملات توعية ومناشدة، بل ومحاسبة من قبل كل الدول والبشر. ولكن لا بدّ أيضاً من العمل على التأسيس لتربية بيئية حقيقية ابتداءً من البيت وصولاً إلى أعلى المستويات المحلية والدولية، من أجل تنمية مُستدامة تُحافظ على استمرارية الموارد الطبيعية اللازمة للبقاء الإنساني، عبر إيجاد الحلول العلمية الصحيحة للمشاكل الناجمة عن هذا الوضع، وتفعيل الاستدامة لتكون غاية بحدّ ذاتها من خلال دمج مفاهيمها بالمناهج الدراسية التي ما زالت في مجتمعاتنا تحبو في هذا الاتجاه بشكل خجول. وكذلك جعل مفهوم التنمية والبيئة مفهوماً حضارياً شاملاً ليغدو نهجاً أساسياً في التربية والمعيشة، بحيث يُدرك الطفل منذ تفتّح وعيه أنه مسؤول عن محيطه بكل ما فيه، لنصل إلى حالة من الوعي تؤهّل الناس للاشتراك طواعية في حماية بيئتها من كل تخريب مقصود أو غير مقصود، إضافة إلى المساهمة في الحفاظ عليها نظيفة خالية من التلوّث الذي ارتفعت حدّته بكل أشكاله إلى مستويات غير مسبوقة بحيث بات خطراً على حياة الإنسان، ويغتال يومياً مئات الأطفال بالاختناق بسبب الأمراض التنفسية القاتلة.

لكن، هذا بحدّ ذاته غير كافٍ إن لم تكن الأجهزة المسؤولة عن هذا المجال حاضرة وباستمرار وفاعلية حقيقية من خلال القوانين والأنظمة الرادعة لأيّة مخالفة، إضافة إلى تعزيز وتدعيم جهودها بكل الإمكانات الضرورية المادية والعلمية والفنية والبشرية كي تكون حقيقة قادرة على القيام بكل تلك المهام بحرية واقتدار، فما نشهده كل عام من حرائق للغابات تلتهم مئات بل آلاف الدونمات تؤثّر ولا شك على التوازن الطبيعي الذي يمدّنا بالهواء النقي، وتثبيت التربة التي باتت هشّة لدرجة جعلها ترتحل من مكان إلى آخر، إضافة إلى السيول التي تغمر العديد من المناطق بداية كل شتاء دون محاولة الاستفادة من حوادث السنوات السابقة واستغلال هذه الأمطار المهدورة في مشاريع الري بدلاً من تلاشيها وإضرارها بالناس، لاسيما أننا منذ سنوات نُعاني جفافاً قضى على بعض المزروعات التي تحتاج بشدّة إلى الماء.

أخيراً نأمل ألاّ نرى أنفسنا في خانة التنظير في هذا المجال الحيوي والهام، فكل ما طرحناه يحتاج بالتأكيد إلى انتهاج سلوكيّات قوامها الإحساس بالمسؤوليّة إزاء البيئة بجميع جوانبها، الأمر الذي يجعل التربية البيئيّة أداة رئيسيّة لنشر المعرفة حول المشكلات البيئيّة المحليّة والوطنيّة والعالميّة.

العدد 1107 - 22/5/2024