وزارة الأوقاف بين المرسوم والقانون 31

المحامي فؤاد البني:  

 أصدر المشرّع المرسوم التشريعي رقم 16 تاريخ 20/9/2018 الذي نظم عمل وزارة الأوقاف، وقد لاقى هذا المرسوم استهجاناً كبيراً في الأوساط السياسية والقانونية والعلمانية، وشنّت في مواجهته حملة واسعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وصدرت العديد من البيانات التي فنّدت المواد الواردة فيه، ووصف البعض هذا المرسوم بأنه يسعى إلى أسلمة المؤسسات والهيمنة على المجتمع السوري ذات التنوع الديني والمذهبي، بينما وصفه البعض الآخر بأنه يشرعن لإقامة دولة دينية داخل الدولة.

وأمام هذا الانتقاد والحملة الرافضة لهذا المرسوم، جرى إعادة النظر فيه ومناقشته في مجلس الشعب، وشكلت لجنة داخل المجلس لهذه الغاية، وجرى تعديل الكثير من المواد الخلافية التي تضمنها والمخالفة للدستور.

وصدر نتيجة هذه المناقشة القانون رقم 31 تاريخ 11/10/2018 الذي تضمن إلغاء المواد التي نصت على توسيع سلطة وزارة الأوقاف وتدخلها في شؤون الوزارات الأخرى، فقد ألغيت عبارة (الوحدات الإدارية) الواردة في المواد 1 و5 و97 التي كانت تشكل أساساً لبسط سلطة الوزارة على المدن والبلدات والبلديات والمناطق والنواحي الواردة في نص المادة 97 الملغاة. وتم تعديل الفقرات (د، و، ه، ع، ف، ز) من المادة 2 من المرسوم، بحيث حُذف تعبير (الفريق الديني الشبابي التطوعي) وحل محله (تطوير الفكر الديني لدى الأئمة والخطباء ومعلمات القرآن الكريم)، وحذفت الفقرة ه باعتماد تقرير فريضة الزكاة بما يتفق مع التكافل الاجتماعي، وحذف الإشراف الديني على الشؤون الدينية النسائية واعتماد ضوابط السماح بالتدريس الديني، وحذف الرقابة على البرامج الخاصة بالعمل الديني في وسائل الإعلام، وحذف بالكامل المساهمة في رعاية أسر وأبناء الشهداء، وحذفت المادة 3 من المرسوم التي كانت تنص على (تسعى الوزارة على تمكين اللغة العربية …إلخ). وأضاف القانون فقرة د جديدة إلى المادة5 أخضع بموجبها كل العاملين الإداريين في الوزارة والمديريات التابعة لها للقانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم 50/،2004 وحذف الفقرة ج من المادة ،6 كما حذف القانون الفقرة من المادة 29 التي تنص على استثناء من يرى الوزير تكليفه بالعمل الديني من شرط الجنسية لضرورات المصلحة العامة، وتعديل المادة 30 بالكامل التي كانت تنص على إعفاء البدلات النقدية التي يتقاضاها المكلفون بالعمل الديني من الاقتطاعات الضريبية، وألغى القانون المادة 68 من المرسوم التي كانت تنص على النظر في القضايا المتعلقة بأموال الأوقاف المدعى بها من الوزارة أمام المحاكم بصورة مستعجلة وصيغة النفاذ المعمول بها، وأعيدت صياغة العديد من المواد، إضافة إلى إعادة تسمية المجلس العلمي الفقهي الأعلى بالمجلس العلمي الفقهي ومجلس الأوقاف الأعلى بمجلس الأوقاف المركزي.

لاشك في أن الكثير من هذه التعديلات والإلغاءات أعادت إلى القانون رقم 31 الذي ينظم عمل وزارة الأوقاف التوازن في عمل الوزارة، دون تدخل في شؤون عمل وزارات الإعلام والثقافة والإدارة المحلية والسياحة ومديرية الآثار وغيرها، وقد استجاب القانون لبعض الآراء والأفكار التي طرحها المهتمون والمتنقدون للمرسوم المذكور، لكن هذا لا يعني أن كل القضايا التي وجهت إليها سهام الانتقاد قد جرت الاستجابة لها، بل أبقى القانون مثلاً على المادة 45 من المرسوم التي تعتبر شهادة الإعدادية الشرعية والثانوية الشرعية معادلتين للشهادتين الإعدادية والثانوية العامة، وهذا يمنح هاتين الشهادتين مميزات لا تتمتع به شهادات التعليم الفني (الثانوية الصناعية والثانوية التجارية والثانوية الفندقية وغيرها)، إضافة إلى الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها الوزير والتي تمنحه سلطة كاملة تجعل منه حاكماً مطلقاً في الكثير من القضايا التي لا حاجة للاستفاضة في تفصيلها، ومنها سلطة إحداث المدارس الشرعية، ولمجلس الأوقاف التي يرأسه الوزير تأسيس شركات تجارية من نوع شركات الأموال تعمل وفق قانون التجارة، وكان من الأجدى إخضاع التعليم الشرعي لوزارة التربية.

إن الحراك الذي جرى من أجل تعديل هذا المرسوم، وإعادة طرحه من جديد للمناقشة وفق الطرق الدستورية، وإجراء التعديلات عليه، يشكل سابقة لمجلس الشعب، يمكن البناء عليها عند صدور أي مرسوم مخالف للدستور والمصالح العامة للشعب أو الأنظمة والقوانين النافذة، ومع ذلك فإن القانون 31 ألغى عشرة قوانين ومراسيم تشريعية صادرة منذ عام 1949 حتى عام 1969كانت تنظم عمل وزارة الأوقاف وجعلها في قانون واحد يسهل العودة إليه في القضايا التي تتعلق بشؤون الأوقاف.

وأخيراً نحن نعتقد أن المرحلة الحالية التي تمر بها بلادنا بعد اقتراب النصر النهائي على الإرهابيين، تتطلب اللجوء إلى مبدأ الأولويات التي تلعب دوراً في إعادة الإعمار والإسهام في العملية السياسية، فهل هذا التشريع في هذه الخانة؟ وهل يشكل أولوية في هذه المرحلة؟

نجيب، حسب اعتقادنا، بالنفي!

العدد 1104 - 24/4/2024