سحر الطفولة

هناء علي يوسف:

من منا لايمتلك ألبوم صور طفولته، وشريط ذكريات، يسترجعه من وقتٍ إلى آخر، إلى سنواتٍ مضت كانت الضحكات فيها رنّانةً وعفويةً، وتلك المواقف الجميلة والطريفة في الوقت ذاته، ذكرياتٌ نعود إليها كالمياه الصافية، لايعكرها أيّ عاملٍ خارجي، نرى تلك الصورة النقية كما نرى صورة البدر، تعكسها بركة ماء.

أعتقد أنني لست الوحيدة التي تحلم بتلك الأرجوحة، التي تأخذها إلى عوالم مختلفة وممتعة، دعونا نوقظ الطفل الذي بقي يعيش فينا، ونطلق له العنان، نتركه على سجيّته يعبث بالحياة ويركض دون خوف.

أيام الطفولة من أروع المراحل التي يمرّ بها الإنسان في حياته، وهي تحمل في طيّاتها الكثير من الصور المحفورة في الذاكرة. صحيحٌ أن بعضها مؤلم، لكن ذكرياتنا الحلوة تتحول إلى دواءٍ لنا في زمننا الحاضر، يشفي جروحاً ألمّت بنا في زمن افتقدنا فيه الفرح، والضحكة النابعة من القلب.

(صحيفة النور) جالت في شوارع دمشق، وسألت بعض الناس ماذا تعني لكم طفولتكم، وهل تغيرت مظاهر الطفولة عبر الأجيال، أم بقيت بالبريق ذاته؟!

تقول (سيرين)، ذات الثمانية والعشرين عاماً: (عندما كنت صغيرة كنت أرضى بأشياء بسيطة، الآن، الجيل الحالي لايقتنع بها، فمثلاً كنت أرقص فرحاً عندما يعطيني والدي بعضاً من النقود، لأشتري تلك المسكة دائرية الشكل، والملونة بألوان قوس قزحٍ، لألوّن شفاهي بها، قبل أن آكلها، لا أعتقد بأن الجيل الحالي تسعده تلك اللحظات).

وعند سؤالنا (حلا) التي تجاوزت الثلاثين من العمر، ماهو شعورك عندما ترين طفلاً يحمل البالونات؟ قالت: (أتذكر كم كانت حياتنا بسيطة، وعفوية، وكيف كنّا نلهو ونلعب أمام بيوتنا بالطبشور، ونرسم ألعاباً تداولناها كثيراً، مثل الحيزة، والطميمة، وخمسة أحجار، وسلوى ياسلوى، كنا نشتري البالونات الملونة، ونفرح بمنظرها بالهواء الطلق، وكنا ننتظر بفارغ الصبر حكايات جدتنا، لنصغي ونستمع إليها.

ويقول (صادق)، ذو الأربعين عاماً، أن طفولته كانت تتميّز بالبساطة، (فكنا ننتظر أيام العطلة، كي نلعب بكرة القدم، المليئة بالتنافس، و نشكّل فريقاً، ونلعب حتى المساء).

هناك اختلافٌ بين معنى الطفولة بين الماضي والحاضر، فما كان يسعد الطفل منذ زمنٍ بعيدٍ، الآن لا يُرضي أطفالنا، لقد تغير الزمن، وتغير أسلوب التربية، وتغيرت الأشياء التي تشعر الطفل بالفرح، أصبحت نسبيةً، بحسب البيئة التي عاش فيها، والأسرة التي ترعرع بها.

ولكن هناك عبارة ردّدها كل من التقيته: (أتمنى أن أعود إلى الصغر).

إنه الهروب من الزمن الحاضر، المركّب، المعقّد، هروبٌ إلى بساطة الماضي، الذي كانت العلاقات الإنسانية فيه أكثر حميميةً، وكانت الاحتياجات فيه تكفي كي نسهر مع قمرٍ، ونجومٍ، وأملٍ بغد.

خلال سنوات الجمر التي عشناها منذ بداية الأزمة، والمشاهد التي علقت بذاكرة أطفالنا في تلك السنوات، هل ستتحول إلى ذكرياتٍ حلوةٍ بعد أن يكبروا؟ أم إلى كابوسٍ مرعبٍ، لايريدون استرجاعه؟.

إنها مسألةٌ برسم المختصين، والتربويين،كيف نخلّص أطفالنا من معايشة حاضرٍ مؤلمٍ؟ كي تبقى لهم فيما بعد ذكرياتٌ حلوة.

وأنتم، أصدقائي القراء، أخبرونا كيف كانت طفولتكم ؟

العدد 1104 - 24/4/2024