كي لا ننسى.. عبد اللطيف صلاح.. المناضل المجهول الذي يحيا

يونس صالح:

عبد اللطيف صلاح، ابن قرية سهوة البلاطة في محافظة السويداء، الشيوعي الذي ولد في أسرة فلاحية فقيرة عام ،1945 شقت دربها عبر كفاح وعناد إلى المعرفة، ومن خلال ذلك تعرف إلى الحزب الشيوعي السوري وأصبح عضواً في صفوفه أوائل الستينيات من القرن الماضي، ومنذ ذلك الوقت ربط حياته ومصيره بالحزب، وكان كالجندي المجهول يناضل بتواضع ونكران ذات وصمت، لم يكن يسعى إلى مركز في الحزب، ولقد كان هذا الأمر من آخر اهتماماته.

إن كل ما كان يهمه هو أن يستطيع الشعب السوري إنجاز مهامه الوطنية، وتحقيق تطور اقتصادي واجتماعي، ينعكس على أبناء بلده بصورة ملموسة، ويحقق لهم العيش بكرامة.

بعد حصوله على الشهادة الثانوية، انتسب إلى دار المعلمين، وأنهى تحصيله العلمي الأول هناك، وبدأ عمله التربوي معلماً في المدارس الابتدائية، وتابع دراسته في الجامعة السورية في قسم اللغة الغربية، وبعد التخرج عمل مدرساً لهذه المادة في المدارس الثانوية. لقد وضع هذا الشاب نصب عينيه هدفاً سعى إلى تحقيقه بكل ما يستطيع من قوة، وهو حمل التنوير إلى طلابه، ودفعهم لعدم تقبّل الأفكار كمسلمات مطلقة، كان يثقفهم بالأفكار التي كانت تحمل في طياتها رياح التغيير، كان يشرح لهم كيف تطورت اللغة، والعلم، والعلاقات الاجتماعية، والنظريات، والطبيعة، ويكشف لهم عمق هذه التغيرات التي لن تتوقف مطلقاً، ولقد وقف من طلابه موقف الصديق لا الملقّن، ولذلك أحبه طلابه، وكم عزّ عليهم رحيله المبكر عام 2000 ولم يكن قد تجاوز الخامسة والخمسين من العمر، وقد شيّعته قريته بحزن، وأمّها جمهور واسع من جميع أنحاء المحافظة، ومن رفاق الفقيد وأصدقائه وزملائه، مقدمين مشاعر الحزن، والاحترام والوفاء لدوره التنويري وعمق التصاقه بطلبته، وبالناس عموماً.

كان عبد اللطيف صلاح شيوعياً ملتصقاً بالحزب، وبأفكاره ومبادئه، كان مقتنعاً بأن المستقبل رغم كل الصعوبات سيكون لأناس العمل، وأن التضحيات كلها تهون من أجل هذه الغاية النبيلة، التي لا تعلوها غاية.

فقدت محافظة السويداء ابنها الوطني الشجاع، الذي كرس حياته كلها، للتنوير، ولوحدة وطنه وشعبه، ووقف بكل صلابة ضد أي فكر ظلامي يمكن أن يضرّ بهذه الأهداف.

إن ذكرى هذا الإنسان الصادق، والشجاع، والمتواضع ستبقى حية من خلال أجيال المناضلين الجدد الذين سيبقون مخلصين لتراث الآباء الحي، الذي لن تمحوه الأيام.

العدد 1105 - 01/5/2024