الموقف الغربي – التركي من معركة إدلب!

د. صياح عزام:

 تاريخياً ثمة طرفان مارسا الهيمنة الاستعمارية على الوطن العربي باسم الدين، الغرب الأوربي والسلطنة العثمانية، وكل منهما ظل ينام ويصحو على هذا الحلم، ولذا انخرط في الحرب الإرهابية على سورية بجنون فاق الانخراط الأمريكي فيها.

وبالرغم من اختلاف الموقف بين أوربا والكتلة الأنكلوسكسونية (بريطانيا وأمريكا) من العقوبات المفروضة على روسيا وإيران لاحقاً، احتلافاً ظن البعض آنه سيمثّل تغيراً استراتيجياً إزاء الحرب الإرهابية على سورية، إلا أن مجريات معركة إدلب والشمال الشرقي السوري، أكدتا العكس، بمعنى أنه لم يؤد هذا الاختلاف إلى أي تغيير وازن في موقف الجانبين من الأزمة السورية الناجمة عن الحرب الإرهابية على سورية المفروضة عليها منذ أكثر من سبع سنوات خلت، ذلك أن تركيا التي احتلت الوطن العربي لأكثر من أربعة قرون، ونهبت بلدانه، نفذت في سورية مجازر مرعبة لإبادة الأرمن والسريان والآشوريين وإحلال الأكراد مكانهم، وهي فعلت ذلك كما تظاهرت وادعت باسم الدين، أما في الحقيقة فهي ارتكبت تلك المجازر بدافع الهيمنة وليس بدافع الدين.

وبناء على هذا فإن الهدف التركي القائم على الهيمنة واحتلال أراضي الغير، لم يتغير في العصر الحديث مع وجود حزب العدالة والتنمية في الحكم، إذ إن استراتيجية السلطان العثماني الجديد (رجب السيئ أردوغان) تقوم على أحلام (العثمنة) الجديدة، باسم الدين، فقد تبنى المد الإخواني العالمي، وضمنه طبعاً المد الإخواني في الوطن العربي، وعليه شكلت تركيا في ظل حكم السلطان أردوغان قاعدة الحرب على سورية بكل أبعادها، العسكرية (مقاتلين وتسليحاً)، والسياسات (لجوءاً واحتضان مجالس وتنظيمات ومجموعات تدعي أنها معارضة)، والاقتصادية (التهريب وسرقة المعامل والآثار السورية)، والإعلامية تلفزة وإذاعة وقنوات دعائية أخرى مؤيدة لهذه الحرب، والاستخباراتية (تأمين عبور الإرهابيين إلى سورية عبر حدودها).

إن هذا الدرس التركي تعلمته بريطانيا الماكرة وبعدها الأنظمة العربية الأخرى مثل فرنسا، من خلال العمل على انتزاع وتبني جماعات أصولية متدينة من معسكر الحكم التركي العثماني، بدءاً من الإخوان المسلمين وصولاً إلى تنظيم داعش الإرهابي، وعليه التقى الطرفان التركي والغربي على سفك الدماء، واستباحة الأرض والثقافة ونهب الاقتصاد ومصادرة السيادة تحت مسميات كاذبة مثل نشر العدالة والديمقراطية ودعم الثورة وغير ذلك، ولكن بالتوازي مع هذا الالتقاء اختلف الطرفان (التركي والغربي)، عندما حانت ساعة اقتسام المغانم التي حلموا بها، وإن كانت هذه المغانم ليست كبيرة، وآنية في الوقت نفسه، لأن سورية وحلفاءها في محور المقاومة حققا المزيد من الانتصارات، وهم في الطريق إلى تحقيق الانتصار النهائي على الإرهاب الأسود وداعميه ورعاته ومشغليه في أمريكا وتركيا والدول الأوربية، والسعودية وقطر وغيرها من الدول.

إذاً نعود للقول إن هذا الاختلاف بين الغرب وتركيا العثمانية يبقى محدوداً، والدليل على ذلك التقاء الطرفين في موقفهما من معركة إدلب التي يتجمع فيها أشرس الإرهابيين الأصوليين الذين يتبعون لتركيا وللغرب، فتلجأ تركيا إلى موسكو طالبة وقف قرار المعركة أو تأجيله، وتلجأ أمريكا وحلفاؤها الأطلسيون إلى التهديد بضرب سورية عبر اختراع مسرحية السلاح الكيماوي من جديد التي تعد لتمثيلها وإخراجها عصابة (الخوذ البيضاء)، وهنا يظهر التلاقي التركي – الغربي، إذ تشكل هذه العصابة نموذجاً فاضحاً لهذا التلاقي المصلحي المعادي لسورية، وبالمناسبة صحيح أن هذه العصابة، أسسها ضابط المخابرات البريطاني جيمس لوميزوريه الذي منحته ملكة بريطانيا لقب (ضابط الإمبراطورية البريطانية)، إلا أن مصادر تمويلها موزعة بين (أمريكا وألمانيا وفرنسا والدانمارك وهولندا واليابان وبريطانيا)، ولكن مكتب الارتباط الخاص بها موجود في (لاندكوم) في إزمير التركية، وعندما تم إخراج عناصرها من الجنوب السوري مؤخراً، اتخذ هذا القرار في جلسة للأطلسي في بروكسل، وذلك لاستخدامهم في أماكن ومهام أخرى لاحقاً كما يتضح الآن في إدلب.

الخلاصة: الغرب يعود هنا ليلتقي مع تركيا، فكلاهما يحلم باستعادة حلمه الاستعماري في سورية.

العدد 1104 - 24/4/2024