من الصحافة العربية والتركية

الأمريكيون في الأردن والهدف سورية

 تعودنا أن يرسل الأردن وحدات عسكرية خاصة إلى مناطق الصراع الساخنة في الوطن العربي للمشاركة في أعمال قتالية، لما تتمتع به المؤسسة العسكرية الأردنية من (كفاءات) عالية في هذا الخصوص، مما يعني أن الأردن ليس بحاجة إلى استيراد قوة أمريكية خاصة لمساعدته على مواجهة تدفق اللاجئين السوريين، مثلما كشفت صحيفة (نيويورك تايمز) في عددها الصادر أمس، الأمر الذي يطرح العديد من علامات الاستفهام.

فالقوات الأردنية لعبت دوراً كبيراً في اقتحام مدينة طرابلس، وثكنة العزيزية، المقر الرئيسي لقيادة العقيد القذافي، كما شاركت، وربما وحدها، في اقتحام دوار اللؤلؤة في البحرين وإخلاء المعتصمين فيه بالقوة. وهناك تقارير تفيد بأن قوات أردنية قاتلت إلى جانب نظيرتها السعودية لإنهاء تقدم قوات الحوثيين داخل أراضي المملكة وردها على أعقابها.

ومن هنا فإن القول بان القوة الأمريكية الخاصة الموجودة حالياً قرب الحدود السورية جاءت (من أجل مساعدة الأردن على مواجهة تدفق اللاجئين السوريين) خدعة لا يمكن أن تنطلي على أكثر السذج سذاجة. فالأردن يملك خبرات عريقة في مواجهة تدفق اللاجئين لا تباريه فيها أي دولة أخرى.

الأردن يغرق بسرعة في الرمال السورية المتحركة والملتهبة، وربما يأتي ثمن هذا التورط مكلفاً للغاية، خاصة إذا اندلعت حرب إقليمية طائفية في المنطقة قد تتطور إلى حرب عالمية ثالثة. فالأمريكان ينسحبون من ميادين الصراع إذا ما تفاقمت خسائرهم البشرية والمالية، ويتركون عادة حلفاءهم المحليين يدفعون الثمن وحدهم من أمنهم واستقرارهم.

علّمنا آباؤنا (الفلاحون) أن ظهور طائر القرقز (أبو فصادة) في الحقول هو مؤشر على نضوج الزيتون وبدء موسم الخريف، مثلما علمتنا متابعة التحركات الأمريكية في العراق وأفغانستان وليبيا أن بدء وصول قوات أمريكية إلى (منطقة ما) هو مقدمة لحرب طويلة مدمرة.

نعتذر لطائر أبو فصادة الجميل الوديع على هذه المقارنة ومفارقاتها.

عبد الباري عطوان

(القدس العربي)، 10/10/2012

 

(الجيش السوري الحر) يسقط في امتحان المقارنة

تشي الأنباء القادمة على أثير الفضائيات وشبكاتها، بأنّ (الجيش السوري الحر) يوسع انتشاره، وينقل مركز القيادة إلى الأراضي السورية، وتالياً، سيظل التوسع سارياً وممتداً حتى السيطرة على كل الأراضي السورية، أو جزء كبير منها، فيسقط النظام. ورغم كل التطورات، والآلاف من الخسائر في صفوفه، تستمر الفضائيات وشبكاتها في بث الأخبار المتناقضة، فمن جهة، تضخم أعداد القتلى اليومية، لكن من جهة ثانية، تتحدث عن توسع السيطرة على الأرض تمهيداً للانتصار المحتوم والقريب.

بعد مضي سنة وأكثر من نصف سنة، باتت كل المدن السورية تحت قبضة الجيش السوري، وخرجت الحركات المعارضة منها تحت ضغط الجيش العسكري. بضعة أحياء لا تزال تشهد مناوشات لا بد منها في حلب. أما بقية المدن، فقد فشلت المعارضة في الصمود فيها. وتمكن الجيش السوري، نظراً إلى تماسكه وصلابة بنيانه، أن يعيد السيطرة على المدن بعد تكرار الأحداث فيها، كما جرى في ريف دمشق، وحمص ودرعا وإدلب وسواها، أكثر من مرة.

لم تكن ثورات الأرياف التي شهدها القرن العشرين، تجارب عابرة، بل كان كل منها تاريخاً بحد ذاته، حاملة أسماء كالحروب الشعبية الطويلة الأمد. اسمها يوضح مداها، وآفاق عملها التاريخية. انطلقت هذه الثورات في الأرياف، كالثورة الفييتنامية، والثورة الكوبية. أو أنّها بدأت إرهاصات في المدن لتنتقل بعد ذلك إلى الريف، كالثورة الصينية. استطاعت هذه الثورات تجنيد جماهير الأرياف في صفوفها، وأن تمثّل الجماهير حاضنات لها، ترفدها بالثوار المقاتلين، وتؤمن لها المأوى عند الحاجة.

و(الجيش السوري الحر) ومجموعات المعارضة الرافدة له، قتلوا أبناء شعبهم تحت حجج الدعم للنظام. لم يتوانوا عن أسوا الممارسات، ولم يتقبلوا انتقاداً من الناس، ولا تبرر اتهاماتهم لمن سموهم (شبيحة) و(مخابرات) وما شابه… إساءاتهم إلى الجماهير جعلت هؤلاء ينكفئون عن التحرك، ودعم معارضي النظام، وبقي (الجيش السوري الحر)، ومسلحون معارضون، في عزلة خارج الوطن، ولم يبقَ لهم إلا الإمداد الخارجي يعتاشون عليه ليستمروا.

استغرقت الثورتان الفييتنامية والصينية خمسة عشر عاماً، معتمدتين على نفسيهما في كل احتياجاتهما، قبل أن يأتيهما أي دعم من الأصدقاء الحلفاء لقضاياهما الوطنية في مواجهة الوجود الاستعماري الفرنسي والأمريكي فيهما. وكانتا كلما تقدم الزمن، تنامت قوتهما، وصلب عودهما، واستغرقتا ما بين 25 و30 سنة حتى تحقيق النصر النهائي. أما (الجيش السوري الحر)، فهو يشن حرباً ضد جيشه الوطني، مستخدماً أموالاً وأسلحة مأجورة، لم تعد حقيقتها ولا مصادرها، خافية على أحد.

ربما يحتاج الكلام إلى جرأة أكبر للقول إنّ الأزمة السورية انتهت على المستوى العسكري، وما يجري ليس إلا مناوشات لتقطيع الوقت، ربما، بانتظار تسوية محلية وإقليمية ودولية، لم تنضج بعد، أو حتى ينضج موعد الحسم.

سمير الحسن

(الأخبار) اللبنانية، 10/10/2012

 

من الصحافة التركية

 

أنقرة (إلى الوراء در)!

أدرك رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، ووزير خارجيته، أحمد داود أوغلو، أن الأزمة السورية خرجت عن المسار الذي أراداه لها، وأنها تتجه إلى طريق يخرج عن عقالهما. فرئيس الوزراء الذي قال في بداية الأزمة السورية إنها ملف داخلي تركي، ووزير خارجيته الذي أعلن أن لا أحد يسعه أن يخطو خطوة صغيرة أو كبيرة في الشرق الأوسط من غير إذن تركيا، كلاهما دفع بتركيا إلى حافة الحرب مع سورية. وترشح هذه السياسات (حزب العدالة والتنمية) إلى نيل شرف زج تركيا في حرب مع دولة جارة، برغم أن التصريحات الأخيرة وما بين سطورها تشير إلى أن أنقرة لا تفكر في نيل هذا الشرف الآن. وعلى قدر ما تميط اللثام تصريحات من نوع (سنرد بالمثل على كل هجوم أو اعتداء) عن عجز الحكومة إزاء الملف السوري، يتعاظم المأزق السياسي الذي انزلقت إليه يوماً بعد يوم. فالظروف، أي تعاظم وتيرة الهجمات الإرهابية ضد الجيش التركي من جهة، وتفاقم مشكلة اللاجئين السوريين على الحدود وفي الداخل التركي، من جهة أخرى، وتحوّل تركيا إلى قاعدة لوجستية إقليمية للتيارات المتطرفة والإرهاب الديني، كل هذه الظروف تجعل الخيارات السياسية الباقية أمام أنقرة قليلة. وتقهقرت مكانة أنقرة في الملف السوري من لاعب وازن ومؤثر في مسار الحوادث إلى دولة لا يسعها سوى الدفاع عن مصالحها القومية وأمنها من تداعيات الأزمة السورية. لذا، بدأت أنقرة تغير سياستها، وتخطو خطوات إلى وراء من غير ضوضاء..

وسواء أعجبنا الأمر أم لا: أثبتت الوقائع إخفاق المجلس الوطني السوري الذي أنشئ في إسطنبول، فهو غير قادر على الحل أو الربط. ويرى المواطن التركي أن المجلس فشل، وتحوّل إلى أداة حرب طائفية هدفها الانتقام من الأسد عوض إرساء دولة ديمقراطية.

أبرز خطوات تراجع أنقرة هو تصريح وزير الخارجية قبل يومين عبر التلفزيون الرسمي، بأنه يقترح تولي فاروق الشرع قيادة سورية في المرحلة الانتقالية. ولا بد أن ندرك أن الشرع هو (أهون الشرور) بالنسبة إلى تركيا. وقد يستسيغ (حزب العدالة والتنمية) الشرع لأنه من السنَّة، لكن مبادرة أنقرة إلى هذا الاقتراح مؤشر إلى أن ثمة اتفاقاً ضمنياً مع واشنطن عليه. والحزب التركي الحاكم لم ينسَ أن الشرع هو من أقوى قيادات (البعث) وأخلصها لأيديولوجيته القومية، واقتراح أنقرة اسمه لم يكن يسيراً عليها، لكنه ربما أحد الدروس التي خلص إليها وزير خارجيتنا الذي يفترض به العودة إلى السياسات الواقعية وترك الأحلام السياسية عند تناول أحوال الشرق الأوسط.

سميح إدز

 صحافي ومحلّل، عن (مللييت) التركية

 8/10/،2012

(الحياة)، 10/10/2012.

العدد 1104 - 24/4/2024