الهويات القاتلة… «انتماءات جديدة»

انعدام المؤسسة السياسية وغياب الاتفاق العام حول هوية المجتمع أو الدولة أدّيا إلى ضعف الولاء لهذا الكيان إن كان مجتمعاً أو دولةً.

فإلى الآن الشرذمة في المعارضات السورية الداخلية والخارجية كثيرة، وكذلك الآراء المختلفة حول الخروج من الأزمة من قبل النظام والحلفاء الداخليين والخارجيين كثيرة، والانتماءات لها أكثر (أي للشرذمة )، وكذلك ارتداد الكثير من الجماهير عن الانتماءات التي كانت موجودة ما قبل الأزمة وتشعبها في التسميات أو المشاركة ولو فكرياً.

فالمواطن حالياً بات أسير الانتماء للمواد الأولية بالدرجة الأولى (كهرباء، ماء، غاز، مازوت، مواد غذائية. وبالدرجة الأولى الأمان والسكن). وأصبح مقتنعاً أن كل القيادات  الموجودة والتي وجِدت لتكون معه ومع لقمة عيشه وأمنه،  هي ليست معه.

لم يبقَ مجال للحوار ولا مكان للجدل والرأي الآخر، وحتى الاستماع بعضهم لبعض في ظل صوت الرصاص والقنابل والعنف المتبادل. فظهرت اصطفافات جديدة، كالبحث عن مكان آمن ولقمة العيش دون صوت الرصاص والحواجز. ومحاولة الوصول إلى يوم الغد دون خسارات في الأرواح وعدم التعرض للخطف والسلب والسجون والانتهاكات، وعدم اتهامه بأنه تابع لأي طرف..!

في ظل غياب الأمن والأمان وانتشار ظاهرة التسلح والتفجيرات لكل الأطراف لم يبقَ للمواطن اختيار أو انتماء. فالانتماء أصبح مشكلة حقيقية وعبئاً في ظل أشكال الهويات الجديدة فتختلف بحسب الطائفة أو المسكن أو نوع العمل لتصدر التكهنات هل أنت معارضة أم موالاة؟

ازدادت الهوة وكبرت الفجوة والدم السوري ينزف، والبيوت تتهدم. ولن يتراجع أحد من الطرفين عن ثوابته، فكما حدث في لبنان سابقاً دامت الحرب عشرات السنوات وانهارت مؤسسات الدولة، ولم يتوصل أي طرف إلى حل، ولكن في نهاية المطاف وبعد الانهيار في كل شيء تحول لبنان من بلد الحريات والديمقراطية الحديثة.. إلى دولة الطوائف الحديثة التي ستمتد لعشرات السنين. فدائماً هناك من يغذي هذه الطائفية التي زرعوها في لبنان لكي تكون الثمار دائماً تخدم مصالحهم وليست مصلحة الشعب اللبناني. وكذلك حصل الأمر في العراق ولكن بطريقة مختلفة، إلا أن النتيجة نفسها: كيان مفتت ودولة طوائف والخلافات دائمة وبطرق جديدة.

فسورية التي كانت ذات الطيف الواسع من التلونات والنسيج المختلف والمترابط والتي بقيت تحافظ على نفسها لمدة طويلة صامدة في وجه كل الهجمات الداخلية والخارجية، باتت قاب قوسين أو أدنى في مدة أقل من عام باتجاه الانتماءات المجهولة التي سيزرعها غيرنا والشعب هو الضحية طبعاً.

ومع تأكيد ضرورة التغيير فلا نعود إلى ما قبل الـ 2011 بالحلول الأمنية والضغوط المعيشية المرهقة، وبتحويل البلد إلى سوق للرأسمالية ضمن النهج الاقتصادي السابق، وأن تبقى تلوناتنا ونطورها بين جميع فئات الشعب السوري مع مزيد من الحريات والديمقراطية والمتابعة. لنعمل معاً على التغيير السلمي وبناء الدولة المدنية الحديثة.. السياسية… التعددية.. الديمقراطية.. العلمانية.

العدد 1105 - 01/5/2024