من الصحافة العربية العدد 574

مفارقات هامة بين بيان القمة العربية وبيان قمة البريكس

 لعل هذا الأسبوع كان حافلاً سياسياً على الصعيد العربي والصعيد العالمي، فقد عقدت قمتان، قمة عربية تمثل دولاً تحتل مركزاً متوسطاً في العالم، أو بالأحرى تحتل قلب العالم، وعدد سكان يزيد على 365 مليون نسمة، وموارد للطاقة هي الأهم في هذا العالم، ومنافذ بحرية وخطوط مواصلات تربط الشرق بالغرب، مطعمة بحضارة عريقة.. وقمة أخرى عقدت في جنوب إفريقيا تسمى قمة مجموعة (البريكس)، وهي مجموعة من خمس دول فقط حتى الآن، إلا أنها تشغل نحو 40% من مساحة دول العالم، وتضم أكثر من نصف سكان العالم.

مجموعة ومجموعة كلتاهما أنشئت من أجل الوحدة لا بالمفهوم الجغرافي، بل بمفهوم العمل والتنمية والعدل والسلام، ونبذ التفرد والهيمنة.

عندما تنظر وتتأمل فيما صدر عن القمتين من بيانات وقرارات، تجعل المرء المتابع لشؤوننا العربية يصاب بالغثيان، والحسرة والألم تتسلسل إلى جسمه مما سمع وقرأ.

قمة رأت في نفسها وفي إمكاناتها وتاريخها، وأهدافها وطموحاتها ما تستطيع أن تقول للولايات المتحدة الأمريكية بجبروتها لا، لا لسياسة القطب الواحد، لا لاستغلال الشعوب، لا للحروب المنتشرة هنا وهناك، تحت مسميات زائفة ومضللة باتت مكشوفة الأهداف والنوايا، بدعة ابتدعتها الولايات المتحدة أسمتها (محاربة الإرهاب)، لكي تعكس المفاهيم والوقائع. فمن تغتصب أرضه، ويقتل ويشرد في المنافي، وعندما يحمل السلاح لمقاومة غاصبيه واسترداد حقوقه يصبح إرهابياً وجبت ملاحقته واجتثاثه لأنه خطر على الإنسانية، وخطر على السلام العالمي. أما من يغتصِب الأرض وينتهِك العرض وينهب الموارد، فهو ضحية الإرهاب يجب مساندته ودعمه حتى يعيش هانئاً آمناً.

قمة تدعو إلى السلام والتنمية والتحرر، قمة لم يجمع أصحابها إلا لغة التعاون، لا تجمعهم لغة ولا تاريخ ولا جغرافيا سوى أنهم من أبناء هذا العالم.

أما قمتنا العربية فهي قمة الانبطاح، قمة السيد الأمريكي الذي لا يخالف، قمة المصالح الفئوية والإقليمية، لا قمة مصالح الشعوب العربية، بل إن الشعوب العربية لم تكن على أجندة هذه القمة.. قمة شغلها الشاغل من يكون الزعيم، من يكون بيده التأثير والقرار والمصير، قمة لا تعمل على التوحيد بل تعمل على التفتيت والتنفير، قمة خرجت عن كل أدبياتها مستغلة ما تشهده الأمة من حالة للفوضى ساهم البعض فيها، حتى يتمكن من اللعب هنا وهناك.

في الوقت الذي كرست فيه القمة العربية حالة الدم النازف في سورية بقراراتها الأخيرة، فإن القمة الأخرى دعت بكل قوة إلى نبذ العنف في سورية، واعتماد لغة الحوار حلاً وحيداً لحل الأزمة السورية.. في الوقت الذي تفتح القمة الباب على مصراعيه لتدفق الأجانب إلى سورية تحت غطاء الدعم للمعارضة، فإن القمة الأخرى تقول اتركوا سورية للسوريين هم كفيلون بحل مشكلتهم. عندما تتجاهل القمة ما يتعرض له الفلسطينيون، وتتجاهل الاستيطان والحصار والاحتلال إلا في بياناتها التي تكررها منذ أمد بعيد، دون أي إجراء عملي لمساندة الفلسطينيين، حتى إن الدعم المالي الذي أُقر في قمم العرب لم يجد طريقة إلى فلسطين، وتبقى القرارات حبيسة الأدراج.. ندعو (البريكس) إلى عدم شرعية الاستيطان، وتدعم وتؤيد الشعب الفلسطيني في حقه بدولة مستقلة ذات سيادة.

أمور كثيرة تجدها وبعجالة بين هذه وتلك، ولكن عزاءنا هو أننا على يقين أن العالم سيتغير، بل إن عجلة التغيير قد بدأت، وليت دولنا العربية تسرع وتلحق بالركب من أجل عزتها وكرامتها، من أجل إنسانها وإمكاناتها. ولننظر من هي دول (البريكس)، إنها مجموعة من الدول كنا عما قريب نسميها دولاً نامية، اليوم أصبحت دولاً عملاقة لها اقتصادها القوي، وكلمتها التي لا تستطيع معها الولايات المتحدة أن تقف ضدها، لسبب بسيط أنها استغنت عن الولايات المتحدة ودولاراتها. هي دول عرفت إمكاناتها فصممت على استغلالها أحسن استغلال، ولم ترسل أموالها إلى خارج بلادها، ولم تستثمر أموالها إلا بما يخدم شعوبها، فكيف كانت الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا بالأمس، وكيف أصبحت اليوم؟

نتمنى أن تنهض الجامعة العربية من سباتها، وتعيد قراءة ميثاقها وأهدافها، حتى تكون سنداً للعرب في هذه الظروف الحالكة، وياليتها تلحق بركب (البريكس) على الأقل كمجموعة عربية لها من الإمكانات والموارد والقوة ما يؤهلها الانضمام إليه، من أن تسخر قواها لتفتيت الأمة وشرذمتها. وبدلاً من أن تكون أداة طيّعة في يد من لا يريدون للعرب خيراً ويتربصون بهم الدوائر.

أكرم أبو عمرو  غزة  فلسطين

(دنيا الوطن)، 29/3/2013

 

فتاوى مُخزية!

قبل أسبوع شاهدت على قناة (الميادين) شخصاً من المسلحين، مجهول الهوية، لأن لهجته غير واضحة، وهو يرد على سؤال حول الأذى الذي يلحق بالمدنيين الأبرياء الذين تستهدفهم التفجيرات بالسيارات المفخخة، أو بالقذائف العشوائية: إذا كنّا سنفكر بالأبرياء، فإن الجهاد سيتوقف! في اليوم التالي وقعت مذبحة طلاب كلية الهندسة بدمشق، فحصدت أرواح خمسة عشر طالباً، وعشرات الجرحى. ذلك (المجاهد) لا تعنيه سلامة المواطن السوري، مطلق مواطن، فالهدف السامي للجهاد: إقامة دولة الخلافة، يبيح قتل المواطنين السوريين، والغاية تبرر الوسيلة، والوسيلة موت، واغتيالات، وتصفيات، وقصف يخلف دماراً، وكل هذا بمشيئة مجاهدين تدفقوا للجهاد في سورية: من تونس، ومصر، واليمن، والأردن، والشيشان، وأفغانستان، ومن قطر والسعودية، ومن دول أوربية، تتقدمها بريطانيا المتحمسة لتسليح المعارضة، وغالباً يتسرّب هؤلاء المتدفقون (للجهاد) في سورية عبر الحدود التركية بشكل رئيس، واللبنانية، وإلى حد ما عبر الحدود الأردنية.

هؤلاء المجاهدون في سورية، لهم (شيوخ) بالمناسبة: هل الشيخ مرتبة دينية في الإسلام؟! ومشايخهم غالباً مجهولون، ولكن فتاواهم باتت من أعاجيب زمننا، وزمن (الثورة) السورية التي باتت موئلاً لكل مارق، والتي غّيب مجاهدوها أوّل ما غيبوا شعب سورية نفسه، الذي انطلق في حراك سلمي، طالب بالإصلاح والتغيير.الفتوى القادمة مع (مجاهدي ) تونس شرّعت وأباحت جهاد المناكحة، وبناءً عليها تمّ استدراج المجاهدات المنكاحات، وهن دون السادسة عشرة، للانتقال إلى سورية، ليتدرب عليهن المجاهدون مسبقاً قبل الالتقاء بالحور العين في الجنة الموعودة، وواجبهن الجهادي توظيف أجسادهن لإمتاع ومؤانسة المجاهدين التوانسة. هنا لدي أسئلة: من سفّر تلكم البنات المغرر بهن؟ من حجز لهن التذاكر، وأمن لهن الفيز، وكيف دخلن تركيا، ونقلن منها وسربن عبر الحدود التركية للعبور إلى سورية؟ و.. هل ستكون خدمة المناكحة الجهادية وقفاً على التوانسة، وكل مجاهد يقلع شوكه بيده، يعني يستعين ببنات بلده، أم إنهن مباحات للجميع؟!

هناك صدمة في الشارع التونسي، لأن التوانسة يعتزون بشرفهم، وكرامتهم، وأكثر من صدم هن نساء تونس اللواتي انتزعن حقوقهن بكفاح مشرّف. ومثل هذه الفتوى تعتبر إهانة للمجتمع التونسي، ولا سيما لسيدات تونس. وهذا ما عبرت عنه كثيرات منهن على الفضائيات المحترمة، وفي مقدمتها فضائية الميادين.سيل الفتاوى من (مشايخ) لا وزن لهم، ولكن لهم تأثير على غير المتعلمين، والمغرر بهم، ينهمر على رؤوس العرب والمسلمين، وهذه الفتاوى فضيحة، ومجلبة للخسران لسمعة الإسلام والمسلمين.

هذه الفتاوى هي التي تشجع على الاعتداء على كنائس المسيحيين العرب السوريين، وهي التي أباحت مهاجمة القرى المسيحية، والمخيمات الفلسطينية، والقرى التي فيها أغلبية علوية، وتكفير الشيعة، وأخيراً لا آخراً: الاعتداءات المتواصلة على قرى درزية في جبل العرب، عرين قائد الثورة السورية سلطان باشا الطرش!أمّا آخر الفتاوى حتى اللحظة، فتبيح (سبي) نساء (النصيرية)، يعني نساء الطائفة العلوية!..من بعدهن؟!لا عجب أن هؤلاء يتوجهون للعلاج في مستشفيات العدو الصهيوني، يموت منهم فيها من يموت، وينجو بفضل رعاية اليهود الصهاينة من ينجو، ليعود ويستأنف جهاده في سورية: من قصف للمدنيين، إلى اغتيال لرجال الدين، وقتل عشرات الطلاب الجامعيين في جامعة حمص، وجامعة دمشق، وجامعة حلب، واغتيال الكفاءات العلمية، ناهيك بتدمير خطوط المواصلات، وحرق آبار النفط، ومهاجمة القواعد الصاروخية، والمطارات العسكرية، ومحطات الرادارات.

لا يمكن أن يكون التوجه للعلاج في مستشفيات الكيان الصهيوني دون رعاية (عربية) رسمية أنشأت صلة حميمة بين الطرفين، وشجعت على العلاقة التي يمكن أن تثمر شريطاً حدودياً، كما كان الشأن بين لبنان والكيان الصهيوني..فمن هو سعد حداد السوري (المجاهد) الذي سيظهر قريباً، مدعوماً بفتوى تبيح التعاون مع اليهود كونهم من أهل الكتاب؟!ما يحدث في سورية ليس سوى عملية ذبح لبلد، وشعب، ودولة، تؤججها الفتاوى المخزية، الخارجة على الإسلام، والتي التقت مع قرارات قمة الدوحة التي انعقدت ليوم واحد لتنفيذ بند واحد هو كل جدول أعمالها منح مقعد سورية لجهة (معارضة)، وأيضاً منح مرتبة سفارة في الدوحة للجهة نفسها، والهدف النهائي لكل ما يجري: شطب سورية كبلد ودولة وشعب، وهذا أخطر مما فعله هؤلاء أنفسهم بالعراق!

رشاد أبوشاور

(القدس العربي)، 2/4/2013

العدد 1107 - 22/5/2024