أعاصير وعواصف و72% من نازحي العالم من النساء

هي المرأة التي لم تتوانَ المجتمعات الذكورية عن إلحاقها بكل ما هو نذير شؤم وأذى بدءاً من اتهامها بأنها السبب في سقوط آدم إلى الأرض، انتقالاً إلى تسمية الأعاصير والعواصف الطبيعية والكوارث باسمها، وليس انتهاءً بوضع مؤسف يتعلق بحقائق مؤلمة عن وضع المرأة في العالم.

فعندما اخترع الأسترالي (كليمنت راج) فكرة تسمية العواصف بالتسميات الأنثوية، لم تكن إلا نتيجة كرهه للنساء وسمى العديد من الأعاصير بأسماء نساء يكرههن، أعجب العالم بذلك، وتمكن السياسيون فيما بعد أن يبعدوا أنفسهم عن التسمية بأساليبهم المختلفة، فألصقت التسمية بالعنصر النسائي الأضعف، معللين ذلك بوجود توافق بين الأعاصير والنساء. فالمرأة يصعب التنبؤ بعنفها وصاحبة أمزجة متقلبة وذات بطش عندما تكره وتظهر غضبها ولا تكتمه كحال الإعصار، أو أن تسمية الأعاصير بأسماء النساء كانت بدافع الأمل بأن تكون أعاصير المستقبل ناعمة ولطيفة غير مخربة كحال النساء. وهذا كله يعني تكريساً للتمييز المتعلق بالنوع الاجتماعي بين المرأة والرجل، وبعد الحرب العالمية الثانية  قامت إدارة الطقس الفدرالية ووضعت جداول الأسماء حسب الحروف الأبجدية النسائية، الأمر الذي أثار حفيظة المجتمع النسوي الأمريكي، فأخذت حركات تحرير المرأة تطالب إدارة الطقس بخلخلة هذه الأسماء وإعادة صياغتها من جديد ورفض إلصاق الأسماء الأنثوية بالأعاصير المدمرة والعنيفة، والمطالبة بالمساواة مع الرجل في التسمية فاضطرت إدارة الطقس الدولية المسؤولة عن تصنيف الأعاصير إلى إدخال أسماء مذكرة في ثنايا القائمة، لكن كان هذا الإدخال خجولاً ولم يكن واضحاً… وهذا يبدو جلياً من الأسماء الحديثة للأعاصير.

أما الحقائق البارزة والمؤسفة في التمييز فهي ما تظهرها التقارير العالمية عن الوضع السيئ الذي وصلت إليه المرأة في العالم كله عامة، والبلدان النامية التي تعاني من النزاع المسلّح والفقر على وجه الخصوص. ليظهر أن 72% من لاجئي العالم البالغ عددهم 33 مليون شخص هم من النساء، وثلثا الأميين البالغين في أنحاء العالم (والذين يصل عددهم إلى 774 مليون شخص) هم من النساء – وهذه النسبة هي ذاتها منذ 20 عامًا وفي معظم المناطق.

وأن فتاة من أصل كل 5 فتيات في الدول النامية ممّن يُسجّلن في التعليم الابتدائي، لا ينهين دراستهن البتّة، لأسباب يتعلق معظمها بالزواج المبكر، وأن 1% من أراضي العالم يملكها النساء، أي لا تزال ملكية الأرض تتعلق بالذكورة، فلا ترث المرأة في معظم الدول النامية الأراضي الزراعية، لأنها تتعلق بأسماء العائلة الذكور لأنها امتداد نسل العائلة. أما العنف الجسدي والجنسي فأبرزت التقارير العالمية أن 50% من الاعتداءات الجنسية المبلّغ عنها هي ضد فتيات تحت سن الخامسة عشرة، علماً أن التبليغ عن الاعتداء هو بحد ذاته خطوة جيدة بعد الكثير من الجهود المبذولة من المنظمات النسائية لأجل ذلك. هذا عدا جرائم الشرف والختان والسفاح  وغيرها كثير من الحقائق المذهلة والصادمة للمنظمات العالمية التي تعنى بحقوق المرأة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية. إذ إن تقارير التنمية تؤكد أنه لا تنمية دون مساواة المرأة بالرجل، فالتمييز هو مزيد من الفقر والأمراض والتهميش، وخاصة التمييز الذي تعانيه النساء اللواتي هن من الأقليات أو من الأشخاص ذوي الإعاقة أو من الفقيرات، لأنهن الأكثر تأثراً بالمحيط الاجتماعي والاقتصادي، ولهن النصيب المضاعف من التمييز الذي يعانيه الرجل المشابه لهن في الوضع الاجتماعي.

وسورية هي جزء من هذا العالم تعاني النزاع المسلح والفقر والمزيد من الإعاقة والنزوح وتردي الصحة الإنجابية، ما يعني أننا ننتظر واقعاً سيئاً للمرأة متناغماً مع القوانين التمييزية ضدها ما يتوجب دق ناقوس الخطر ودعوة المنظمات الحكومية والعالمية للعمل لأجل تمكين النساء ودعمهن، علّها تنقذ ما يمكن إنقاذه قبل أن تجتاح العواصف والأعاصير العالم كله.

العدد 1105 - 01/5/2024