البوطي.. شهيد المحراب

موثّق أن الدكتور محمد رمضان البوطي كان يعرف أن ما يصر على القيام به قد يتسبب بمقتله. وهو العارف يقيناً أن التاريخ العربي الإسلامي، قد شهد قتلاً هدفه إنهاء تنوير عجز القاتل عن التصدي لشفافيته التي تكاد تنقذ البشر من بهتانه. ومرجح أنه تلمس حضور ذلك الاحتمال في صيف ،2011 عندما قرر مسلحون حرق (متحف الزنديق أبي العلاء المعري). يومذاك لبى مواطنون دعوة أعضاء تنسيقية المعرة لإنقاذ المتحف، وفعلوا.

لاحقاً وفي عام 2013 وبعد أن قضى التكفيريون على السّلْمِية في المدينة، قطعوا رأس تمثال أبي العلاء، معيدين إلى الذاكرة تدمير نظراء لهم تماثيل بوذا في أفغانستان. لم يستنكر قادة المعارضة السورية بداية قرار حرق المتحف، ولم يسجلوا لاحقاً موقفاً يستشف منه استنكار للرسالة التي حملها رأس التمثال المقطوع.

الأستاذ البوطي وآلاف غيره من سوريين هم خارج مصفوفات السلطة والمعارضة، ويحملون هَمّ وواجب ومسؤولية حماية وطنهم وسلمه الأهلي وإرثه الحضاري. صدمتهم تلك الرسالة التي حملت صدى لصليل صوت الحجاج بن يوسف الثقفي، وهو يشهر ملكيته لرؤوس العباد، وفاحت منها رائحة لحم ابن المقفع.

ولكن رغم ذلك التهديد المباشر للآخر بقتله، أمل البوطي أن يتوقف السوري والتونسي.. إلخ، قبل أن يصل إلى النقطة حيث يتجاوز المرء فرصة مخاطبة النفس قائلاً لها: ما الفائدة من كسب الدنيا إذا خسرتك؟ كان يعلم رحمه الله أنه مشروع شهادة. لكنه و(بقلب دونه يصدع الصخر)، سار على درب الناصري (هذا لحمي فكلوه، وهذا دمي فاشربوه). ورحل مفتدياً بلاد الشام وأهلها عله يهبهما الشفاء من البلوى.

إنه لخطب جلل أن يُقتل رجل دين في محراب المسجد.

من يصمت عن قتل الآخر، لأنه آخر.

من يخترع قصصاً تهين سامعيها.

من يرفض السلام ويشجع على استمرار الحرب.

كيف تراه سينظر إلى وجهه في المرآة بعد مقتل الشيخ العالم الجليل؟

العدد 1105 - 01/5/2024