الامتحانات على الأبواب… وكذلك رصاصة طائشة

Normal
0

false
false
false

EN-US
X-NONE
AR-SA

MicrosoftInternetExplorer4

/* Style Definitions */
table.MsoNormalTable
{mso-style-name:”Table Normal”;
mso-tstyle-rowband-size:0;
mso-tstyle-colband-size:0;
mso-style-noshow:yes;
mso-style-priority:99;
mso-style-qformat:yes;
mso-style-parent:””;
mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt;
mso-para-margin:0cm;
mso-para-margin-bottom:.0001pt;
mso-pagination:widow-orphan;
font-size:11.0pt;
font-family:”Calibri”,”sans-serif”;
mso-ascii-font-family:Calibri;
mso-ascii-theme-font:minor-latin;
mso-fareast-font-family:”Times New Roman”;
mso-fareast-theme-font:minor-fareast;
mso-hansi-font-family:Calibri;
mso-hansi-theme-font:minor-latin;
mso-bidi-font-family:Arial;
mso-bidi-theme-font:minor-bidi;}

بين انفجار أو قذيفة وبين حاجز أو رصاصة طائشة يبحث الطالب عن زاوية يقلب فيها صفحات كتابه بهدوء، وضجيج الموت من حوله يسكت حاضره ويغتال مستقبله.

لسوء الأوضاع في دمشق اضطررت للسفر إلى محافظتي رغبة في إيجاد جو ملائم للدراسة هناك، وفور وصولي إلى البيت بدأت الاشتباكات والقذائف تتوالى علينا، فانتقلنا إلى بيت عمي في مكان آخر. بقينا يومين وعدنا فعادت الاشتباكات لتستقبلنا من جديد. لم أجد طريقاً أمامي سوى العودة إلى دمشق، وفي الطريق صادفنا اشتباكاً على أحد الحواجز، ولولا ستر الله لكنت من بين الأموات، ورأيت منظراً فظيعاً، كانت الجثث مرمية على الأرض وكلب يأكل جثة رجل.

هذه كانت معاناة م.ش طالب في جامعة دمشق، يبحث عن مكان آمن ليشق طريقه إلى مستقبل مجهول.

وفي ظل هذه الأوضاع يعيش الطلاب ظروفاً بالغة الصعوبة، سواء في انتقالهم أو ذهابهم إلى الجامعات، أو حتى وجودهم في البيت للدراسة، تحضيراً للامتحانات التي أصبحت على الأبواب.

المعروف أن الدراسة نشاط فكري من أكثر النشاطات التي تحتاج إلى حالة نفسية مريحة وظروف ملائمة تساعد الطلاب على التركيز. في هذه الظروف لا يتوفر أي شرط من الشروط المناسبة للدراسة، فالأصوات التي تسمع بين الحين والآخر تشتت الفكر وتثير الخوف. كيف لطالب يفتح كتابه ليدرس وعلى بعد أمتار منه تخط القذائف صفحات الشوارع والأحياء بالدماء والدمار.

(ح) طالب في كلية الإعلام سنة ثالثة: الموت يحيط بنا من كل جانب لا سيما بعد ما حدث في كلية العمارة. أمضيت ستة أشهر بعيداً عن أهلي، وأخشى أن أذهب لزيارتهم ولا أعود حياً. وعلى ما يبدو أن الكادر التدريسي في كليتي لم يستوعب بعد ما يجري في البلاد، فما زالوا متمسكين بفكرة الحضور الإلزامي وتكليفنا بالوظائف، أنا الآن أنتظر القذيفة أو الرصاصة التي سوف تودي بي في أي لحظة، وألوم الجهات المسؤولة عن حمايتنا لتقصيرهم في ذلك لا سيما أننا في أحضان العاصمة، أوَّلياتي هي السفر بعيداً عن العالم العربي الذي يصم آذانه عن المأساة الإنسانية في بلادي.

(ش) طالبة في كلية الطب البشري سنة رابعة: كنت أدرس في جامعة البعث واضطررت للانتقال إلى جامعة دمشق بسبب الأوضاع في حمص وخطورة السفر. نعاني صعوبة التعلم في دمشق، ففي حمص كانت الدراسة أسهل وتعاون الأساتذة أفضل، والآن أيضا أشعر بالخوف على حياتي، فأنا أسافر كل أسبوعين إلى السويداء لرؤية أهلي، وأعود لأخاطر بحياتي من أجل دراستي.

المعروف أن الطلاب في سنوات الدراسة الجامعية أكثر طموحاً، وهم يتمتعون بالنشاط والتفاؤل المستمر نحو الأفضل والعمل قدماً نحو مستقبل مزهر لهم ولبلدهم. في هذه الأزمة التي استمرت أكثر من سنتين هل مازالوا مستمرين ومتمسكين بطموحاتهم وتحقيق أهدافهم..!؟ أم أنهم تأثروا بالظروف وتنازلوا عن كل ما حلموا به وطمحوا إليه..؟

* جاد »طالب دبلوم التأهيل التربوي« يقول: يشعر أبناء المحافظات البعيدة عن جامعاتهم بالخوف بسبب الأحوال الأمنية على الطرقات، فالذين لم تتح لهم فرصة السكن في المدن الجامعية يضطرون للسفر دائماً رغم صعوبة وخطورة معظم الطرقات التي أصبحت قاتلة، كنا نطمح إلى المستقبل، أما الآن فنحن في حالة حرب، ولم يعد هناك طموح أو نظرة مستقبلية، لا نعرف ما ينتظرنا في الغد ونواسي أنفسنا بمقولة (الغد أحلى).

* عمار »طالب فلسفة«: لا يوجد طموح.. أعيش يومي، إذا توفر لي عمل فسوف أعمل وإلا فسوف أسافر بعيداً، وأنا أشد التصاقاً ببلدي.

* (د) طالب هندسة اتصالات يروي: هناك أكثر من 70 بالمئة من الطلاب يفكرون بالسفر وأنا واحد منهم.

* يفكر جابر (طالب آخر في هندسة الاتصالات) بعطلة رأس الشهر ليسافر إلى بيته ويرى أهله، ولكنه يقول: أخاف ألا أستطيع العودة أو أن أقتل على الطريق، ولسوء حظنا هنا مازال الأساتذة يفكرون أن جامعة دمشق يجب أن تكون امتحاناتها صعبة، لأنها العاصمة وشهادتها متميزة عن باقي المحافظات. وهناك مشكلة يعانيها أغلبية الطلاب، وهي المعسكر، فهو مادة مرسِّبة، وهم يؤجلونها. وزميلي لم يشمله الترفع الإداري بسبب المعسكر الذي أجَّلوه السنة الماضية.

التفوق صفة الطلاب المجدين الذين يلازمون الحصول على أعلى الدرجات في الامتحانات، ويحلمون بإكمال الدراسات العليا بعد الجامعة. وما يوحي الآن أن أغلبية الطلاب يريدون النجاح بغض النظر عن درجة معدلاتهم، فلم يعد بإمكانهم الدراسة كما كانوا من قبل، ولم يعد لديهم الدوافع والرغبات التي كانت تحثهم على الاستمرار في الحفاظ على نجاحهم.

* الطالب (ك) في كلية الصيدلة يقول: الأوضاع (زفت)، الدكاترة لا يراعون ظروف الطلاب، يُلزِموننا بالحضور، ويهددوننا بالحرمان من الامتحانات إذا غبنا عن محاضرتين. أصبح طموحي فقط الترفع، كنت من الطلاب الحاصلين على المعدلات العالية، ولكنني الآن أرغب فقط بالنجاح.

* (د) طالب في كلية العلوم يقول: الأساتذة لا يساعدوننا، ولا رحمة في قلوبهم، وبالذات في تصحيح المواد نجدهم في هذه الظروف الاستثنائية أصعب من ذي قبل، أرغب في السفر إلى القامشلي لرؤية أهلي فلم أرهم منذ مدة طويلة، ولكني لا أستطيع بسبب خطورة الطريق.

وفي ظل الأوضاع والمأساة المستمرة والأزمة المتفاقمة لا أحد يعلم  متى سوف تنتهي، يعيش الطلاب حالة تحدٍّ مع الواقع المرير من جهة، ومع الدراسة الاضطرارية من جهة أخرى.

* (أ) طالب في كلية الإعلام سنة رابعة: طموحي فقط أن أعيش، أخاف كثيراً في فترة الامتحانات، ولا أرغب في السفر( زبال ببلدك ولا وزير بالغربة)، أساتذة كليتنا مازالوا يفكرون بالغياب، وهمهم الوحيد حضور الطلاب في ظل الهجمة الشرسة من الإعلام المعادي. ومن المفروض أن تكون كليتنا مواكبة للأحداث (نجد أنها أفشل كلية وأفشل أساتذة) في البلد.

* براءة طالبة من طرطوس اضطرت للسفر إلى الشام لتكون بين أهلها القاطنين في دمشق، الخائفين عليها رغم رغبتها في إكمال دراستها في اللاذقية. تقول: في هذه الأوضاع أصبحت ألتزم بالدراسة والدوام أكثر من قبل، لأنني أتحدى المسلحين الذين يريدون تدمير بلدي ولا يريدون لنا التعلم ولا أخاف رغم كل شيء.

* صديقتها سارا تدرس في كلية التربية (معلم صف): أثرت الأوضاع على دراستنا وخصوصاً الفصل  الأول، لم أتمكن من الدوام في الجامعة بسبب سوء الطريق، ولهذا جئت إلى دمشق وسكنت في المدينة الجامعية لأتحدى المسلحين، كما قالت صديقتي براءة. أطمح بالدراسات العليا وأفتح روضة خاصة ومعهد لغات، ولم تتأثر طموحاتي بالظروف الحالية، ولكن أثرت الأوضاع على نفسيتي وعلى أهلي وبلدي. قبل الانتقال إلى السكن كنت أشعر بالخوف، ولكنني الآن تجاوزته. وتفجير السبع بحرات الذي شاهدته أكبر دليل على استمرار الحياة، فقد رأيت الناس في الشارع القريب منه بعد لحظات من التفجير يعيشون حياتهم الطبيعية.

وتضيف سارا هناك ظروف صعبة يعيشها الطلاب، الأوليات أصبحت معقدة، الغلاء في الأسعار تراجع كثيراً، كنا في طور التقدم، ولكنهم أعادونا إلى التخلف. نحتاج إلى خمس سنوات على الأقل لنعود إلى ما كنا عليه.

تستمر معاناة الطلاب في شق طريقهم نحو ما كانوا يحملون به وما يريدون تحقيقه الآن. طلاب فرَّقتهم مواقفهم واختلفت آراؤهم، ولم يختلفوا على إكمال مسيرة سعيهم للنجاح، واتفقوا على التزامهم بواجباتهم نحو بلدهم وحب وطنهم، ليكونوا نواة حقيقة تنبت وتنضج وتكتمل بين أنقاض الحرب، فيزيلون الدمار الذي خلفته همجية الآخرين.

العدد 1105 - 01/5/2024