من الصحافة العربية العدد 588

التضخم في سورية سلاح غير فتاك

الارتفاع المفرط في معدّل التضخم والانهيارات السريعة في سعر الصرف، هي عموماً، وفي ظروف عادية، سبب للتوتر الاجتماعي والسياسي، ومقدّمة للتغيير في السلطة. فهل تنطبق هذه القاعدة على الحالة السورية بعد التطوّرات النقدية البالغة الخطورة التي تسارعت في الأسابيع الأخيرة؟

هذا ما تأمله، على الأرجح، العواصم الغربية المهتمّة بالشأن السوري، إذ يكرّر المسؤولون فيها أن الحرب السورية لا تحسم بالمعارك العسكرية فقط، بل إن العقوبات الاقتصادية ضد النظام السوري ستؤتي ثمارها، وتدفع النظام للتفاوض على نقل السلطة. تتردّد دول الغرب في تزويد المعارضة بما تسمّيه السلاح الفتاك، وتتمنى أن يغنيها الحصار الاقتصادي عن هذا الخيار، وعن التورط في المستنقع السوري، ولكن هذه التصوّرات تعاني عوارض (الاستشراق)، بسبب قدرة النظام السوري على احتمال حصار الغرب ونتائجه، إلى فترة غير قصيرة.

هذا لا يمنع من الإقرار بأن الهبوط السريع في سعر صرف الليرة السورية في الأسابيع الأخيرة، سلط الضوء، أكثر من أي وقت مضى، على النتائج الاقتصادية للصراع الدائر في سورية.

لقد بدا واضحاً من التقارير الجدية، القليلة، المنشورة، أن الآثار الاقتصادية للأحداث لا تقلّ مأسوية عن الأبعاد الأخرى للتراجيديا السورية.

حسب نشرة (The Syria Report) التي تصدر حالياً في بيروت، ارتفع سعر صرف الدولار الأمريكي في التداول الفعلي من 150 ليرة سورية في منتصف حزيران إلى 330 ليرة في مطلع تمّوز، وبذلك أصبح سعر الليرة المتداول في سوق القطع، غير الرسمي، أقلّ من سدس السعر الذي كان متداولاً يوم اندلاع الأحداث في آذار عام 2011.

يتزامن تراجع الليرة السورية مع اشتعال معدّل التضخم، على نحو لا سابق له منذ تأسيس الدولة السورية، وقد أصبح التضخم السنوي يتراوح بين 100 في المئة وضعف هذه النسبة، إلا أنه يختلف بين منطقة وأخرى. لقد فقدت المناطق السورية تجانسها الاقتصادي بسبب تباين الظروف و(الشرائع) السائدة بين منطقة وأخرى.

هناك عناصر عديدة تؤثر على مالية الدولة ومعدّل التضخم وسعر الصرف. فالدولة السورية تواجه مشكلة تأمين المشتقات النفطية لأنها واقعة بين حصار غربي من جهة، وسيطرة (الثورة) على آبار النفط من جهة أخرى. وقد تراجعت الاحتياطات الرسمية من 18 مليار دولار قبل الأحداث إلى أقلّ من خمسة مليارات (ربما مليارين حالياً)، وتقلصت الصادرات إلى حدود العدم وتوقفت السياحة كلياً، بما يحرم الدولة من أهمّ مداخيلها ويوقف تدفق الأموال بالعملات الأجنبية. فاجأ رئيس الحكومة السورية وائل الحلقي اجتماعاً للمحافظين السوريين بالتصريح أمامهم أن الدولة السورية فقدت كل وارداتها.

كل ذلك لم يؤدّ، ولن يؤدّي في المدى المنظور، إلى استسلام النظام للشروط المعروضة عليه. فللنظام السوري تجربة (عريقة) في مواجهة تحدّيات ميزان المدفوعات عن طريق فرض قيود صارمة على التجارة الخارجية، وهذا ما حصل أكثر من مرّة في العامين الأخيرين.

تحت تأثير الأزمة، وعلى نحو مفاجئ، برزت إلى السطح من جديد أفكار تخلى عنها النظام، مضطراً، منذ ربع قرن، وساد الاعتقاد أنها دفنت مع اعتماد الرئيس بشار الأسد، منذ بداية عهده، نوعاً من الانفتاح الاقتصادي المقنن. ومن حسن حظ نائب رئيس الحكومة للشؤون الاقتصادية قدري جميل تمكّنه من الجهر مجدّداً بالأفكار التي تعلمها أثناء دراسته في الاتحاد السوفييتي، ويشاركه فيها آخرون يحمّلون الانفتاح جزءاً من المسؤولية عن الكارثة، معطوفة على (المؤامرة الدولية) التي تتعرّض لها سورية. خلاصة هذا الفكر المستحضر ضرورة إمساك الدولة كلياً بالتجارة الخارجية، وجزء من التجارة الداخلية، فتستورد مباشرة المواد الأساسية التي تحتاجها سورية وتوزعها مباشرة عبر تجار الجملة.

هدف هذه السياسة هو استئخار الانهيار. وفي كل الأحوال فإن كل الحلول المعتمدة تسعى إلى تحقيق هذا الهدف القصير المدى. فقد لجأت سورية إلى مساعدة سخية من إيران لتوفير حاجاتها النفطية تبلغ 500 مليون دولار شهرياً، إضافة إلى خط ائتمان إيراني (غير محدود) للمواد النفطية والغذائية. وهي فضلت، من جهة أخرى، الخروج من الحصار إلى العزلة عن طريق حصر التعامل في التجارة الخارجية بعملات الدول الصديقة: روسيا والصين وإيران.

المقصود من هذا العرض أن الانهيار النقدي الذي شهدته الليرة السورية، حتى لو تكرّر، فلن يؤدّي إلى الاستسلام، لأن لدى النظام السوري وسائل قصيرة المدى لمنع تحوله إلى مجاعة أو انهيار شامل. بالتالي فإن المراهنة الغربية على أن نتائج الحرب الاقتصادية قد تسبق نتائج الحرب العسكرية هو وهم و(استشراق). كما أن اعتقاد أعضاء الفريق الاقتصادي في الحكومة السورية بأنهم استعادوا النهج الاقتصادي السليم هو خطأ وتضليل. كل ما وجدوه هو تأخير انفجار الجبهة الاقتصادية الاجتماعية، كي يتمكن النظام من الاستمرار في القتال على الجبهة العسكرية.

غسان العياش

(السفير)، 18/7/2013

 

سورية.. اتضاح الصورة

المتتبع لاتجاهات خطوط الأزمة في سورية وتقاطعاتها، يجد أن الأمر بات يثير الدهشة، فما يجري في سورية تجاوز حالة (الشيزوفرينيا)، التي يصعب السيطرة عليها، ودخل مرحلة العبث الأخطر التي ستطيح بالبلاد والعباد على حد سواء،وما يجري خرج عن نطاق :الشعب يريد إسقاط النظام، ودخل نفقاً مظلماً كتب عليه: هناك من يريد تدمير البلاد.

القصة تقودنا إلى كهوف تورا -بورا حيث تحالف الإسلام السياسي مع الرأسمالية الأمريكية في أفغانستان ضد الاتحاد السوفييتي، الذي أرسل قواته إلى هناك تلبية لطلب حليفهم الرئيس الأفغاني بابراك كارمل، وجرى خوض معارك ارتقت إلى حروب شارك فيها الشباب العربي والمسلم المتعطش للجهاد في سبيل الله، لكنه وجد من يحرفه عن جادة الجهاد في فلسطين، وشحنه مدفوع الثمن إلى أفغانستان ليكون وقوداً لمعارك لا ناقة لنا فيها ولا جمل.

الأخطر من ذلك، أن من سمح بتجنيد هؤلاء الشباب وسهل شحنهم إلى أفغانستان، إرضاء للمعلم الأمريكي الذي لا يفضل دفع ثمن انتصاراته، قام باعتقال من عاد حياً ولم تعتقله القوات الأمريكية في معتقل غوانتنامو في الأراضي الكوبية، بناء أيضاً على رغبة من المعلم الأمريكي، فهؤلاء باتوا يمثلون خطراً على المصالح الأمريكية وعلى الأنظمة العربية الموالية لها. وأنا هنا أتحدث عن الشباب العربي والمسلم المتعطش للجهاد في سبيل الله، لا عن القيادات التي تحالفت مع الولايات المتحدة وبات همها التخريب أينما حلت، ونصبت من نفسها حصان طروادة، وأعني بذلك القاعدة.

هذه القاعدة التي شغلت الدنيا بتصريحات قادتها الذين يعلم الله وحده أين يتنعمون، لم تعثر على مكان فلسطين على الخريطة الدولية، ولم تسمع على ما يبدو أن فلسطين محتلة والقدس إلى تهويد، وأن المسجد الأقصى في خطر، علماً أن قادتها يتحفوننا ببيانات حول الأحداث الجارية بمعنى أنهم متابعون جيدون لمجريات الأمور في الوطن العربي.

القاعدة التي نصبت نفسها (خريبا) في الأحداث العربية، كلمة سرها أو (شيفرتها) هي الخلافة الإسلامية، ولا أدري عن أي خلافة يتحدثون وهم يقتلون برصاص صنع في المصانع الأمريكية.

بعد أفغانستان وهزيمة السوفييت، برز اسم القاعدة، مرتبطة بالخلافة الإسلامية،وجاء دور العراق، وكانت القاعدة هي كلمة سر بوش الصغير،ورأينا هذه الكلمة في شمال إفريقيا حيث الجزائر، ثم جاء دور مالي حيث الغزو الفرنسي.

بعد مالي ها نحن أولاء نرى القاعدة -الخلافة الإسلامية في سيناء، وما نشتمه أن هناك (لعبة) لإعادة احتلال الجيش الإسرائيلي لسيناء، كل ذلك من خلا ل وجود القاعدة هناك وحديثها عن دولة إسلامية، ولا يغيبن عن البال أن هناك من تحدث عن دولة إسلامية في العراق، ورأينا بعد ذلك ما جرى.

القاعدة في سورية،وهناك من تحدث عن دولة إسلامية هناك، بل إن دولتي العراق وسورية الإسلاميتين اتحدتا في سورية؟! وها نحن أولاء نرى صراعاً مسلحاً بين الجيش الحر السوري (العلماني) مع جبهة النصرة أو لنقل القاعدة، وللتوضيح أكثر دولة الخلافة الإسلامية في سورية، والتصريحات التي تقول إن عليهم مقاتلة العلمانيين.

هنا مربط الفرس، وهو أن ما يجري في سورية ليس إسقاط نظام (مستبد ديكتاتوري قمعي)، ولو كانت النوايا كذلك، لتوحد الجميع وأجّلوا صراعاتهم الثانوية، لكن الواقع يشي بغير ذلك، وقد اتضحت الصورة، وتبين أن سورية تشهد عبثاً موجهاً من الخارج، وخدمة لأهداف الخارج.

الإسلام السياسي يكرر أخطاءه، فما يزال حتى يومنا هذا يتبع البوصلة الأمريكية، ويتقن دور حصان طروادة، فها هم أولاء السلفيون الأردنيون على سبيل المثال يقفزون إلى سورية ل(الجهاد)، مع أن القدس أقرب إليهم من سورية، خاصة أنهم يسافرون إلى تركيا ومن ثم يدخلون من هناك بتسهيلات تركية.

بعد ما حدث في مصر، آن الأوان أن يعمد الجميع إلى مراجعات نقدية لمواقفهم ونظرتهم ومشاركتهم في الأحداث الدموية التي شهدناها ولم تغير في واقعنا شيئاً، فما جرى في المنطقة كان بمجمله لصالح إسرائيل.

أسعد العزوني

(الحوار المتمدن)، 15/7/2013

العدد 1105 - 01/5/2024