جولة الإبراهيمي وضرورة التزام الأطراف النافذة بمتطلبات الحل السياسي

بدأ الأخضر الإبراهيمي، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، مهمته الصعبة في البحث عن حل سياسي للأزمة السورية المعقدة، التي «تتفاقم» بحسب تعبيره، وتهدد المنطقة والعالم.. وأجرى جولة قادته إلى القاهرة ودمشق، استمع خلالها إلى رأي الجامعة العربية، واطلع على نتائج اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير بالقاهرة، وأجرى لقاءات في دمشق مع الرئيس الأسد ووزير الخارجية المعلم، ومع أطراف من المعارضة السورية، واستمع إلى وجهات نظرها بشأن إيجاد مخرج سلمي للأزمة. وأعلن في ختام زيارته لدمشق أنه سيواصل اطلاعه على وجهات نظر الدول المؤثرة والنافذة في الأزمة، وسيطالبها بالتعاون والوفاء بالتزاماتها.

وأكد الإبراهيمي في تصريحات عديدة، أن خطة سلفه عنان واتفاق جنيف، هما الأساس الذي يمكن الانطلاق منه لوقف العنف، وبدء حوار سياسي مباشر، ولفت إلى أنه لم يستكمل رؤيته حول آليات التوصل إلى حل سياسي للأزمة، وأنه يمكن إضافة أفكار جديدة إلى خطة عنان عند توافق الأطراف عليها، وأنه لن يستكمل استراتيجيته للحل قبل استطلاع آراء الأطراف جميعها.

ويدرك الإبراهيمي، بحس الدبلوماسي وخبرة الوسيط الدولي المخضرم، أن انقساماً عالمياً وإقليمياً حاداً يواجه جهوده. وأن قوى أوربية وإقليمية ودولاً خليجية معروفة شككت بإمكان نجاحه، ووضعت تفسيراتها الخاصة لخطة عنان، وشروطها للتعاون معه، متمثلة ب«تنحي رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة انتقالية قبل وقف إطلاق النار وبدء الحوار»، وهي شروط غير واقعية، ولا تبررها المتغيرات ميدانياً وإقليمياً ودولياً.

إن صيغة الحل السياسي والإسراع بالتوصل إليه لم تعد مطلباً لغالبية السوريين وحدهم، أو لدول الجوار السوري التي حذر زعماؤها من خطورة امتداد الأزمة إلى بلدانهم، ولم يعد الحل السياسي خياراً محتملاً لدول تساند الشعب السوري، وترفض إقرار أي صيغة تجيز التدخل العسكري أو دعم المعارضة بالسلاح والمال والمعلومات والتدريب، وإنما بات الحل السياسي هو المخرج الوحيد للأزمة. واتسعت دائرة منتقدي سياسات تصعيد الأزمة وتهريب السلاح إلى الداخل السوري، وغض الطرف عن دخول شبكات تنظيم القاعدة والمجموعات التكفيرية المسلحة إلى سورية، وإرسال مجموعات تجسس أجنبية لمساعدة المسلحين. كما اتسعت الاحتجاجات ضد السياسات الغربية والتركية تجاه سورية، وسيؤثر ذلك سلباً على شعبية حكومات هذه الدول.

ويستند الإبراهيمي في مقارباته لتعرجات الأزمة السورية وللأطراف المؤثرة فيها، إلى مجموعة من الأمور، نذكر منها: خبرته السابقة كوسيط في مناطق عديدة، وخبرة سلفه كوفي عنان، ومعرفته للتغيرات التي حدثت في المنطقة كلها، من الجزائر إلى العراق، ولديه تفويض من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن بالتعاون معه والتأثير على الدول المعنية بالأزمة، كما يستند الإبراهيمي إلى موقف لافت لقمة حركة عدم الانحياز، ركزت فيه على خيار الحل السياسي السلمي، ورفض التدخل الخارجي في الأزمة السورية.. ويعوّل الإبراهيمي على انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر، وانعقاد مجلس الأمن أواخر الشهر الحالي لعرض اتفاق جنيف عليه وصياغة قرار ملزم بتطبيقه.

وهناك خطوات يمكن أن تفيد الإبراهيمي في مهمته، منها: لقاء رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مع وفد من المجلس الوطني السوري في الولايات المتحدة وكندا، ودعوته للوفد بضرورة الاستفادة من «تجربة العراق في التغيير»، وهي تجربة مريرة وكارثية، كما أن الصين دعت وفداً من هيئة التنسيق السورية لزيارة بكين، ودعت روسيا بلسان وزير خارجيتها لافروف إلى عقد مؤتمر للحوار بين المعارضة والحكومة في موسكو.

وتواجه الإبراهيمي صعوبات جمّة، فالسلاح يتواصل تدفقه من جهات عديدة عبر تركيا إلى الداخل السوري، والحكومتان الفرنسية والتركية، وحكومتا السعودية وقطر، تواصل عبر مسؤوليها وإعلامها التحريض ضد سورية، والتشكيك بفرص نجاح مهمة الإبراهيمي.

ونعتقد أن تماسك الشعب السوري وصبره، والنجاحات العسكرية المحققة على الأرض ضد المجموعات المسلحة، ومساندة أصدقاء سورية الحقيقيين في الجوار وفي العالم.. وعلو الأصوات المطالبة بالحل السياسي عبر الحوار وبوقف العنف العبثي والترويع والتخريب على أصوات الرصاص والانفجارات، يمكنها أن تحدث فرقاً في مجريات الأزمة وفي تعاطي الأطراف معها، من حيث الاصطفاف والتشدد، أو الانتقال من رفض الحوار والمراهنة على تفكك الدولة إلى تقبل تدريجي لفكرة الشراكة في الوطن، وتهيئة الأجواء الملائمة لحوار وطني شامل يوقف المواجهات الدموية، ويضع الأطراف جميعها أمام مسؤولياتها والتزاماتها بإزاحة العوائق أمام الحل السياسي الضروري لإخراج سورية والمنطقة من زلازل محدقة.

ونرى أن تذكير الإبراهيمي لأطراف بعينها، عربية وغربية، بضرورة تنفيذ ما التزمت به، يوضح بجلاء الجهات التي تولت مهمة عرقلة مبادرات الحل السياسي، ويشير إلى حِرَفِية المبعوث الخاص وحياديته، وهما عاملان مهمان لتحقيق تقدُّم على طريق الأزمة الشائكة.

العدد 1104 - 24/4/2024