طلحت حمدي سيبقى في ذاكرة محبيه!

قضى شامخاً.. ما هان ولا ارتهن

في مشيته اجتماع لوثوق الخطوة ووقار العمر.

وفي طلعته إباء..

في عينيه موارٌ لإبداعات واثبة.

وفي نظرته صهيل..

في جامع كلماته مآذن أحزان مقيمة.

وفي كنيسة صوته أجراس رحيل..

أفكار شتى وملاحظات تجاذبت ذاكرتي لدى قراءتي نبأ وفاة الفنان طلحت حمدي:

في إحدى المقابلات معه، وعلى خلفية وشاية تتهمه بإخفاء عُربٍ جميلة حنونة وحزينة ضمن أوتار حنجرته. سألته صاحبة البرنامج أن يجود عليها وعلى مستمعيه بشيء من الغناء الذي يحبه، فكان أن أتحف ذواقة الطرب والسمّيعة بمقطع من أغنية وديع الصافي (دق باب البيت عالسكيت).

التقيت به مرة قرب حديقة السبكي أثناء تريّضه في مشواره المعتاد. من أمام بيته جانب حديقة زكي الأرسوزي إلى جسر الرئيس فالبرامكة، مروراً بساحة الشهبندر، كان على عادته يمشي وحيداً متفقداً بمجامع حواسه أحوال (شامه) وأهلها، خافياً أحزانه خلف عتمة نظارتيه. سألته يومذاك إجراء حوار معه، يطلع من خلاله محبيه ومتابعيه على آخر أخباره..

على سبب احتجابه مؤخراً..

على رأيه بالذي يحصل في بلدنا من أفعالٍ، تحت سماء الوطن وفوق سقف الاحتمال..

وعلى.. وعلى..

وعلى غير ما آمل وأريد، كان رد طلحت حمدي معللاً اعتذاره بأن ما يحصل على أرض سورية وتحت علم ومعرفة العالم لا ينتظمه رأي ولا يؤطره كلام. أقله في الوقت الراهن وبالنسبة له شخصياً..

بخصوص غيابه عن الساحة الفنية، بالأحرى (تغييبه) إذا ما أردنا الدقة، حسب تعبير طلحت حمدي، فهو نتيجة طبيعية لابتلاع حيتان الإنتاج ومحتكري الفن، أدوارهم وأدوار غيرهم..

بعدئذ التقينا غير مرّة، وبقي أبو أحمد مصراً على صمته وعدم ظهوره في الإعلام. لأن ذلك لا يجدي نفعاً في الظروف الراهنة.

قد لا تواتي الكلمات اللازم قولها، في رحيل أحد شواهين الفن.. وقد لا تنهض الكلمات المواتية بالمطلوب.

قد لا تفي المراثي فقيدنا – ممثلاً ومخرجاً ومؤلفاً ومنتجاً، وقبل ذلك ومعه إنساناً فناناً – حقه علينا..

لكن سيحفظ ألبوم الفن السوري في صدر صفحاته صورة (عروة بن الورد) الخارج على تقاليد القبيلة.

سيبقى (عطّاف) مثال الريفي الطيب والشامي الشهم.

سيبقى (حمام القيشاني) نسخة صادقة وأصيلة عن الدمشقيين أيام زمان.

ستبقى صور وأدوار طلحت حمدي المعيشة، والمعبرة، نابضة في ذواكر محبيه.

وستبقى الأزمة القلبية التي أودت بحياة طلحت حمدي، بُعيد نزوحه إلى الأردن طلباً للعمل، ضريبةً شخصية ومعادلاً حسيّاً للأزمة السورية، ووصمة على جبين المسؤولين!

العدد 1105 - 01/5/2024