كي لا تبقى القوانين مجرّد حبر على ورق

يصدر المرسوم التشريعي أو القانون ويعدُّ نافذاً بحق الجميع ابتداءً من تاريخ معين، وعلى الأغلب يكون التاريخ تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، فهذا النشر أشبه بإعلان للجميع عنه، وافتراض أن الكل قد أخذ علماً به وبات واجب التطبيق، لكن ما الذي يحصل بعدئذ؟

كثير من القوانين تبقى حبراً على ورق، وكثير منها لا تدري بها غالبية الشعب، والسبب ببساطة أنها صدرت ولم تُنفذ. وأهم هذه القوانين مثلاً قانون يتعلق بحماية البيئة، وقانون آخر بعدم تشغيل الأطفال دون سن معين، وقانون يمنع التسول، وقوانين أخرى عديدة.

من المسؤول عن هذا؟ هل هي السلطة التشريعية نفسها التي سنتّ القانون، ولم تُعط الموجب الجزائي له للتنفيذ أصولاً؟ أم السلطة التنفيذية التي تتراخى في كثير من الأحيان لأسباب عدة أهمها المحسوبيات وتوابعها؟ أم السلطة القضائية وتعقيدات الروتين الجاري قضائياً والتنقلات القضائية للقاضي نفسه عندما يكون لديه إلمام بالقضية وقد انتهى إلى دراستها وبات بلحظة فصلها فإذا بقرار نقله إلى مكان آخر، فيأتي قاض غيره لا يدري شيئاً عن القضية، لتعود من الأول وتعود معها الفترة للدراسة والروتين وهكذا؟ أم نحن كشعب ليس لديه أدنى وعي أو مسؤولية عن الإحساس بالخطأ واستدراكه، ولا نملك حساً وطنياً لرفع مستوى البلد إلى درجة الرقيّ والتحضر؟ تساؤلات كثيرة نطرحها تجعلنا نفكر لماذا بقي الكثير من القوانين دون تنفيذ. والحقيقة المؤلمة أن كل هذه العوامل مجتمعة ساعدت في ابقائها على الرف ونسيانها وعدم الأخذ بها، وجهل الكثير من المواطنين بصدورها. لكن المسؤولية الأولى والأخيرة تقع على السلطة التنفيذية، فهي المرجع الأول لها والمرجع النهائي، لأنها المنفذ وعليها واجب الملاحقة والمتابعة والتوعية، إضافة إلى البيروقراطية المنتشرة في هذه السلطة. ونأتي على ذلك بمثال بسيط محافظة دمشق مثلاً، فالمحافظ له مدخل من الرخام الأبيض الفاخر، وحرس من المراسم وهيبة، وممنوع لأي مواطن الدخول أو المراجعة من هذا الباب، ليعود أدراجه إلى الباب الخلفي المخصص له كمُراجع. وما أدراكم ماهو الباب الخلفي! وإذا ما أراد المواطن مراجعة مسؤول ما للسؤال أو الاستفسار، فهيهات أن يحق له ذلك في معظم  الدوائر الرسمية، ولايوجد قانون ينص على ذلك بل العكس تماماً، كل القوانين تتضمن العكس، بينما يجري العكس في التطبيق العملي. وإذا أردت مقابلة وزير أو مسؤول فعليك بالوساطة. أما إذا أردت أن تُنهي معاملة في دائرة ما بطريقة سريعة، فالسماسرة في خدمتك. ولكل دائرة سماسرتها وتسعيرتها ووقتها. وعلى قول المثل العامي: (هين فلوسك ولا تهين نفوسك).

والى أن تخرج القوانين وتُطبق تطبيقاً صحيحاً تبقى معادلة المحسوبية والرُّشا وماجرى مجراها سارية المفعول، ولايسقطها تقادم!

العدد 1105 - 01/5/2024