وثيقة سياسية صادرة عن حزب الشعب الفلسطيني حول المفاوضات

نعارض هذه المفاوضات من منطلق السعي الجدي لتغيير منطلقاتها ومنهجها

استؤنفت في مطلع آب الماضي المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، برعاية أمريكية، بعد توقف دام قرابة ثلاث سنوات، وقد جاء استئنافها دون توفر الشروط والمتطلبات الأساسية التي اتُفق عليها في وقت سابق في القيادة الفلسطينية ومؤسسات منظمة التحرير، ونظراً لذلك فقد رفض حزبنا الموافقة على تلك العودة أو المشاركة فيها.

إن هذه المتطلبات أو الشروط المشروعة، مثلت محاولة فلسطينية لتغيير قواعد العملية التفاوضية، ومنع إعادة إنتاجها على الشاكلة السابقة، وقد تمثلت هذه المتطلبات بتحديد مرجعية المفاوضات استناداً إلى حدود العام ،1967 ووقف الاستيطان، مع عدم الاعتراف بشرعيته بصورة كاملة، وإدراج قضية الأسرى بوصفها قضية مركزية في هذا الإطار.

وقد تطور هذا الموقف باتجاه حسم مسألة الحدود من خلال التوجه إلى الأمم المتحدة في 29/11/،2012 وكسب الاعتراف بدولة فلسطين على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وباتجاه استثمار الإرادة السياسية والمعنوية للأمم المتحدة ومؤسساتها، في رفض الاستيطان، وجرائم الحرب الإسرائيلية، واتساع حملة الإدانة الدولية لهذه الممارسات، وبما يفتح الطريق نحو تطوير استراتيجية فلسطينية، تقوم على الجمع الناجح بين الإرادة الشعبية في مقاومة الاحتلال والصمود الوطني من جهة، وبين الإرادة الدولية التي تقوم على توسيع حركة التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني وتعزيز مكانة فلسطين في المؤسسات والمنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة من جهة أخرى.

إلا أن استئناف المفاوضات دون تحقيق هذه المتطلبات، وفي مقدمتها وقف الاستيطان (الذي كثفته إسرائيل)، ودون التزام إسرائيل بمرجعية حدود العام ،1967 مثل انتكاسة بارزة لهذه  الموجة من التضامن الدولي مع شعبنا وقضيتنا العادلة، وفتح شهية إسرائيل أكثر فأكثر لفرض رؤيتها وشروطها للتسوية السياسية، على قاعدة التنكر للقرارات الدولية، والاستناد إلى الأمر الواقع الذي تخلقه يومياً على الأرض، وإلى سعيها المنهجي مع الإدارة الأمريكية لإفراغ قرار الاعتراف بدولة فلسطين من أي محتوى عملي أو تفاوضي مشروع.

إن حزبنا يلاحظ بوضوح أن الموقف الإسرائيلي تجاه الحدود يستند أساساً إلى ضم الأراضي تحت مسمى تبادل الأراضي أكثر مما يستند إلى الإقرار بحدود عام 1967 مرجعيةً للحدود، وهو يعتمد بصورة عملية على ضم الكتل الاستيطانية وتوسيع هذه الكتل بما يضمن إلحاق مستوطنات جديدة بها، وهو ما قال عنه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ضمان بقاء 85% من المستوطنات والكتل مع إسرائيل، وهذا يعني توسيع المفهوم السابق للتبادل حتى عما طرح في كامب ديفيد ،2000 ما يفسر التسارع المحموم في الاستيطان، و خلق تكتلات استيطانية وتوسيع عملية الربط بينها استناداً إلى التفاهمات الإسرائيلية الأمريكية حول استمرار البناء الاستيطاني في مناطق معينة، هي غالبية المستوطنات باعتبارها ستؤول إلى إسرائيل.

إن التفاهمات الإسرائيلية الأمريكية بشأن الحدود، كما أعلن عنها جون كيري بخصوص ضم الكتل والمستوطنات، والمستندة إلى رسالة ضمانات بوش لشارون في نيسان عام ،2004 تكون قد حسمت موضوع ضم الكتل مسبقاً قبل المفاوضات، وهذا أمر خطر للغاية، كما أنها تسعى لحسم بقية القضايا بالطريقة نفسها.. من هنا كان لا بد من رفض الربط بين الحدود وتبادل الأراضي كجزء من مرجعية المفاوضات، وهو الموقف الإسرائيلي الأمريكي والذي طلب كيري دعمه عربياً، كإضافة على مبادرة السلام العربية، بحيث يصبح مفهوم التبادل جزءاً ملازماً للحدود كمرجعية متلازمة. وهو ما يختلف تماماً عن أنه قضية جزئية يمكن أن تبحث في ظل حسم أمر الحدود وبضمنها.

اليوم أيضاً ونحن نقترب من ربع قرن على بدء المفاوضات ينبغي التذكير بالجملة الشهيرة للدكتور حيدر عبد الشافي إبان مفاوضات مدريد وواشنطن: إن (وقف الاستيطان أولاً هو مفتاح التقدم في المفاوضات)، وإن التراجع عن جعل هذه القضية هي محور المعالجة يولد سيلاً متزايداً من التراجعات. وفي المقابل فإن النجاح في حسم هذه القضية المتمثل بوقف الاستيطان يعني النجاح في حسم مسألة الحدود، ويضع قضية المستوطنات في إطار قضية الحدود لا بوصفها قضية تعلو على قضية الحدود ومستقلة عنها كما تريد إسرائيل أن تفرضها.

لكل ذلك فإننا في حزب الشعب نجدد تأكيدنا أن مطلب وقف الاستيطان يبقى موقفاً صحيحاً، ويعكس في حال تنفيذه مدى استعداد إسرائيل والولايات المتحدة للتقدم في القضايا الأخرى، وخاصة قضية الحدود وبصيغة واضحة لا لبس فيها، خاصة أن اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين وفَّر الفرصة الحقيقية لمنع إسرائيل من استمرار التعامل مع قضية الأرض والحدود، بوصفها أراضي متنازعاً عليها، ولكنه في الوقت نفسه زاد من مساعيها، ومعها الإدارة الأمريكية، لإفراغ قرار الأمم المتحدة من محتواه هذا والتعامل معه، وكأنه قرار منعدم. مما يدفعهما لإعادة استحضار واستئناف العملية التفاوضية على شاكلتها السابقة، وحتى من سقف أدنى مما توقفت عنده.

من هنا فإن مضمون معارضة المفاوضات، من وجهة نظرنا، لا ينطلق فقط من المطالبة بوقفها والانسحاب منها فوراً، لكنه ينطلق أيضاً من أهمية السعي لإعادة حسم مرجعياتها ومنهجها وفقاً لقرارات الأمم المتحدة، ولآلية تسمح برعاية حقيقية للأمم المتحدة ومجلس الأمن عليها. وهي عملية تتطلب من أجل تحقيقها استئناف الوجهة التي بوشر بها عند التوجه للأمم المتحدة، ومضمونها القائم على الربط الصحيح بين الإرادة الشعبية الفلسطينية والإرادة الدولية، من أجل ضمان أن أية مفاوضات يجب أن تجري على أساس واضح لا لبس فيه بإنهاء الاحتلال الفوري لأراضي دولة فلسطين، وأن أية تسوية نهائية يجب أن ترتبط بالحل العادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين وفقاً للقرار 194.

إن رفض اتفاق من هذا النوع، هو مهمة مركزية لجميع القوى ولمنظمة التحرير الفلسطينية، وهو ما يجعل من الحاجة لحشد وتوحيد طاقات الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن وجوده في هذا الاتجاه حاجة ملحة، وهو كذلك يفرض توسيع النشاط الجماهيري والشعبي من أجل رفض هذا النوع من الحلول، والتمسك في مقابله بالسعي والنضال من أجل إنهاء الاحتلال، وضمان حقوق شعبنا في الاستقلال والعودة.

إننا ندعو رفاق حزبنا وأصدقاءه وجماهيره إلى الانخراط مع جماهير شعبنا من أجل حشد موقف شعبي عام يقوم على رفض استمرار هذه المفاوضات، والسعي من أجل تغيير منهجها ومضمونها، بما يضمن مرجعية قرارات الأمم المتحدة، وإنهاء الاحتلال كاملاً عن أراضي دولة فلسطين وضمان سيادتها، وضمان حقوق اللاجئين الفلسطينيين وفقاً للقرار 194. وإلى جانب ذلك السعي من أجل إنهاء الانقسام المدمّر، والعمل على بناء جبهة موحدة للمقاومة الشعبية، وبما يعزز استراتيجية الجمع الناجح بين الإرادة الوطنية والشعبية في النضال والصمود الوطني، والإرادة الدولية في الدعم والتضامن الدولي مع شعبنا الفلسطيني.

4/9/2013

العدد 1107 - 22/5/2024