أزمات صغرى صيّرت أزمة اليوم… لا للطائفية في سورية!

من الطبيعي أن يكون نداء الإنسان للإنسان بالعموم (لا للطائفية)، وهو أيضاً شعار ما انفك يتردد تحت سماء المناطق السورية كافة، والأمان شغل القلوب المؤمنة بذلك. وبقي المُعْتَقَد هو أننا بلد التآلف، وأن سورية بحماية الله (الله حاميها) وكل ما فيها هو الحضارة.

لا للطائفية! تتزامن مع قوانين وشرائع ضمن الدستور السوري تُحظِّر الزواج فيما بين أبناء الأديان الرئيسية، ومجتمعات تحظر الزواج حتى ضمن الدين الواحد تبعاً للعقيدة والطائفة والفرقة الدينية. والاستثناءات التي خرقت هذا لا يمكن أن تحسب مقارنة بالسائد.

لا للطائفية! تترافق مع توصيات وتحذيرات من الأهل، وخاصة لأبنائهم الصغار، بأن لا يقيموا علاقات مع من ينتمون إلى غير دينهم.

لا للطائفية! تقال ويستمر الحال بأن يسأل السوري السوري الآخر عن ديانته قبل أن يعرف حتى اسمه أو مدينته- علماً أن السؤال عن المدن في سورية يرتبط باكتشاف الدين على نحو غير مباشر.

لا للطائفية! مع تكفير كل جماعة وفئة دينية لسواها ضمنياً.

تستفيق الطائفية في سورية بظل الأزمة:

آمن أغلب الشعب بابتعادنا عن الطائفية فما من محفز ليوقظها، والعقول لم تأبه بدراسة ذلك لأسباب عدة، منها اهتمام السوري بتأمين أساسيات حياته وتحدي العقبات التي تواجهها، بدلاً من البحث والعمل للسعي لرقي المجتمع، ومنها أنه ما من مهتم بدراسة مجتمعاتنا والعمل على رقيها. ولذلك نتيجته الحالية الأكيدة المعقدة، وأهمها التعقيد في فهم هويتنا السورية. وبتطرقنا للواقع يتضح أن ما سلف ناتج عن ترديد ببغائي لشعار (لا للطائفية) حتى يكاد المرء يصدق. بل إن الوضع الراهن يثبت أن المبدأ الذي آمن به أغلب السوريين في سنوات الأمان الغابرة لم يكن إلاسراباً، وذلك يستنتج بسهولة في ظل الأزمة. فما دام المبدأ لم يطبقه متخذوه (الشعب السوري) في خضم أزمتهم، بل مورس عكسه تماماً، إذاً فالنتيجة تثبت أن الطائفية كانت تتغلغل متخفية دون البحث عنها لاقتلاع جذورها.

في المظاهرات، والمسيرات، استفاقت، وفي حواجز الجيش والجامعات والسكن الجامعي، بين المدن والحارات، بين الجار وجاره. ومن استفاقتها مع حلول الأزمة نجد أننا عشنا الطائفية في سورية بكل تفاصيلها، دون أن نحاول أن نستفيق لنتائجها المقبلة. فالوصايا الحذرة بين أبناء الطائفة الواحدة وبين أفراد العائلة بأن يكون السوري حذراً بإبداء طائفته أو الحديث بما يخصها أو التعمق في الأديان الأخرى، واحتفاظ النسب بين أفراد الدين الواحد ومعاداة سواه، وزعم كل طائفة في مجالسها واجتماعاتها الخاصة بأنها الأفضل والأقرب إلى الله. كل تلك الممارسات حتى لو لم تكن تحمل أذى مباشراً أو حتى قصداً بالعدائية، وحتى لو كان سببها الخوف، فهي بلا شك تؤدي للنتيجة الآنية.

جدل قد يجيب عنه كل السوريين: (هل نحن طائفيون أم لا؟) والجواب الغالب هو أن الطائفية جديدة حلت بحلول الأزمة. لأن السوري تعايش مع السوري من مختلف الأديان قبل الأزمة.

القليل من يعترف بأن الطائفية لم تكن يوماً بعيدة عنا، فالأسباب التي قد تجعلنا مجتمعاً لا طائفياً لم تظهر، بل ظهرت الطائفية. واللاطائفية المنشد بها لم تنبت، بل ظهر شوك الطائفية بوضوح بعد أن كان مغطى بورود الشعارات النظرية. ما من مؤسسات عُنيت بتعليمنا كيف يكون التعايش الاجتماعي مثمراً بين الطوائف، ولا من مؤسسات علمتنا أن الإنسان هو الأهم ولأجله تقوم الأديان والقوميات. ما من نشر كاف لثقافة التعددية، وما من محاولات لدراسة ودعم المجتمع السوري الذي ترعرع سابقاً بتنوع الأديان والقوميات وتعميق احترام التعددية فيه، ليستمر فيها على صعيد ضمني أعمق، ويبني مبادئ حازمة وصارمة تجمع شمل الشعب وتطوره، والمنغصات دون حدوث ذلك باتت عديدة، منها المعروف ومنها المجهول.

أصبح من الضروري أن نوقن أن الشعب السوري الذي يتمنى أن يكون يداً واحدة في وجه الظلم  لن يحقق ذلك إلا إذا حاول أن يلغي التفاصيل الصغيرة. ومتى أصبح الزواج والعلاقات بين الأديان بلا حواجز، ومتى اعترف كل  منتمٍ من دين ما بأن المنتمي إلى الدين الآخر مؤمن بدرجة إيمانه نفسها، فتلك بداية تعقيم الجرح السوري. ومتى يصبح الحوار بالأديان والسياسة حراً ولا قيد فيه فتلك بداية شفاء الجرح السوري وحماية سورية من بعض أبنائها..

العدد 1107 - 22/5/2024