لندعم الصغار… يكفينا ما حصلنا عليه من الكبار

تلعب الشركات العائلية والشركات الصغيرة في الدول الصناعية دوراً نشيطاً  في نموها الاقتصادي، إلى جانب الشركات العملاقة التي لم تستطع تهميش دور هذه الشركات الصغيرة. ففي أوربا اليوم عددٌ هائل من الشركات العائلية والصغيرة، تتوزع على مختلف الأنشطة الاقتصادية الزراعية والصناعية والتجارية. وفي الولايات المتحدة تساهم هذه الشركات بنسبة 50% من الناتج الوطني، وتوظف أكثر من 50% من العمالة. وتمثل أسهم الشركات العائلية اليوم 35% من بورصة نيويورك، وبيّنتْ الدراسات أن عائد المنشآت الأمريكية العائلية والصغيرة في البورصة أعلى بنسبة  29% عنه في سائر المنشآت ما بين عامي 1992 و ،1999  أما على الصعيد العالمي فإنها تشكل 80 إلى 85% من إجمالي المؤسسات والشركات الاقتصادية العالمية.

في سورية تتشابه الأوضاع فيها كبلد نامٍ مع أوضاع البلدان المتقدمة، فالشركات العائلية والصغيرة والمتوسطة  تشكّل نحو 85% من عدد المؤسسات الاقتصادية، وتوفر بين 60و80% من فرص العمل، لكنها  تفتقد  إلى كثير من الخبرات المتراكمة، لا سيما بعد انتقالها للجيل الثاني أو الثالث. كما يلعب غياب السياسات الموجهة لدعم هذه الشركات وخاصة في مجال  التحديث التقني والإقراض المصرفي، دوراً كابحاً في تطويرها، بعكس الدول المتطورة التي تسعى لمساعدة هذه الشركات على التطور ضمن النسيج الاقتصادي.

وتشكل الشركات العائلية والصغيرة والمتوسطة نسبة 64,22% من مجموع المؤسسات الصناعية في سورية،  أما نسبة 9,76 % فهي للشركات الصغيرة جداً، والنسبة الباقية للشركات الكبيرة. وتساهم الشركات الصغيرة بنحو80% من الناتج في قطاعي التجارة والسياحة، و50% في قطاعي الزراعة والبناء،  و30% في قطاع الصناعة، و25% في قطاع النقل والمواصلات.

بدأت ملامح مرحلة جديدة في الحياة الاقتصادية السورية منذ تسعينيات القرن الماضي، وخاصة بعد تبنّي سياسات اقتصادية ليبرالية في بداية القرن الجديد،  إذ سُنّت مجموعة من القوانين التي تشجع القطاع الخاص ورجال الأعمال على المساهمة في تطوير الاقتصاد السوري، بل لتتولى دوراً مفصلياً في عملية تغيير المسار الاقتصادي باتجاه اقتصاد السوق. وترافق ذلك مع تقليص دور القطاع العام وإحجام الحكومة عن ضخ استثمارات جديدة في مؤسساته وشركاته، والمماطلة في إصلاحه. وقد أدى هذا التوجه الجديد إلى انتعاش عام في أوساط القطاع الخاص والمستثمِرين تبدّى بتأسيس شركات مساهمة جديدة في قطاع الصناعة والخدمات والمصارف، ولقيت هذه الشركات دعماً من مهندسي الاقتصاد السوري آنذاك، وراحوا يشجعون الشركات العائلية والصغيرة على التحول إلى (حيتان)كبار!

وشيئاً فشيئاً أصبح للرأسمال السوري الخاص اهتمامات تتعدى عملية الاستثمار بقصد تحقيق عائدٍ إلى المساهمة في صنع القرار الاقتصادي والسياسي. وضمن هذا المناخ أعلن رجال الأعمال تأسيس الشركات (القابضة) التي أكّد بعض مسؤولي الاقتصاد السابقين أنها ستغير وجه سورية. ولانعلم اليوم من بقي في سورية -بعد اندلاع أزمتها- من رجال الأعمال هؤلاء، ولانلمح أثراً لشركاتهم (القابضة)،لكننا نعلم جيداً أن الشركات الصناعية الصغيرة والمتوسطة والورش والمشاغل الحرفية،  التي عانت إهمال الحكومات، ما زالت تجاهد في ظروف الأزمة الصعبة لاستمرار إنتاجها ودعمها لمتطلبات الصمود الوطني ضد العقوبات والحصار الاقتصادي الجائر.

لذلك نطالب الحكومة بتقديم جميع التسهيلات الضرورية لهذه الشركات والمصانع والورش والمشاغل الصغيرة التي تشغل العدد الأكبر من اليد العاملة، وخاصة في مجال تسهيل حصولها على القروض من مصارف الحكومة، دون تعقيدات وعراقيل.

ونضم صوتنا إلى صوت غرفة صناعة دمشق، التي تقدمت بمذكرة إلى رئاسة الوزراء،  تتضمن اقتراحاً بإنشاء وإدارة مجمعات صناعية خاصة بالمنشآت الصغيرة والمتناهية الصغر، وتخصيصها بأراض في مناطق متعددة في حدود دمشق وريفها،  تهدف إلى احتضان الصناعيين الصغار وتطويرهم بإقامة مراكز تدريبية لهم وإيجاد أسواق لمنتجاتهم.

لندعم منتجينا الصغار.. فيكفينا ما حصلنا عليه من (الحيتان) الكبار.

العدد 1104 - 24/4/2024