وثائقي بشهادة الناجين من «قرية ومذبحة دير ياسين»… للفلسطينية ساهرة درباس

تقدم المخرجة الفلسطينية ساهرة درباس في فيلمها الوثائقي الجديد (قرية ومذبحة دير ياسين) شهادات حية لبعض من بقوا على قيد الحياة من السكان.

يبدأ الفيلم الذي عرض منذ أيام في قاعة (جماعة السينما) في مدينة (رام الله) بفلسطين المحتلة، بالتعريف بقرية (دير ياسين) وما تعرضت له القرية في شهر نيسان/ أبريل عام 1948 من هجوم من منظمات إرهابية صهيونية.

وقالت المخرجة درباس عند عرض الفيلم: (أسعى إلى حفظ الذاكرة الفلسطينية بواسطة هؤلاء الشهود الناجين من مجزرة دير ياسين).

وأضافت: (اخترت هذا اليوم (9 نيسان) لعرض الفيلم بمناسبة حلول الذكرى الـ(65) لهذه المجزرة في هذه القرية التي حولتها (إسرائيل) إلى مستشفى للأمراض العقلية بعد طرد كل أهلها منها).

ويقدم الفيلم الذي يمتد 75 دقيقة، رواية لخمسة شهود فلسطينيين، واثنين من اليهود الصهاينة، عن الأحداث التي شهدتها قرية (دير ياسين) بشيء من التفصيل في التاسع من نيسان/ أبريل عام النكبة.

ويسرد الشهود، الذين تتراوح أعمارهم بين السبعين والتسعين عامًا هذه الأيام، شهادات عن قتل رجال ونساء وأطفال من سكان القرية على أيدي العصابات الصهيونية (الأرغون) و(الاتيسل) و(البالماخ).

وقال محمد أسعد (86 عامًا) أحد سكان القرية في شهادته إنه تمكن من توثيق 95 اسمًا من سكان القرية قتلوا في تلك المذبحة. وتحدثت وطفة جابر (70 عامًا) إحدى سكان القرية التي لم يكن عمرها قد تجاوز ست سنوات عندما حدث الهجوم على قريتها: (صحيح أنا كان عمري ست سنين بس أنا بذكر كل شي صار).

وأضافت بعد أن شاهدت الفيلم: (بلدنا كانت أحسن بلد، وكنا عايشين أحسن عيشه فيها).

واستعرضت المخرجة درباس بعد عرض الفيلم كيف استطاعت، بمساعدة أشخاص لم تذكرهم، الدخول إلى القرية التي تحولت إلى مستشفى للأمراض العقلية، وتصوير عدد من المشاهد فيها.

وقالت: (اعتمدت على الكثير من المصادر والمراجع العربية والعبرية في عمل الفيلم، وقدمت شهادات ((إسرائيليين) تتطابق مع الرواية الفلسطينية لما جرى).

وأضافت: (لم أنجح بالحصول على مجموعة من الصور التي التقطها المصور (الإسرائيلي) (شمراغا بيلد) لتلك المجزرة، ولكني استطعت أن أستخدم شهادة كان أدلى بها في سنوات سابقة بالصوت والصورة).

واستعانت درباس في الفيلم بمجموعة من صور الأرشيف، إضافة إلى الخرائط، لتقديم صورة عن القرية قبل أن يهجرها سكانها ويتشتتوا في مخيمات اللجوء، إضافة إلى وثائق (إسرائيلية) وشهادات من هيئة (الصليب الأحمر الدولي).

ورغم مرور (65) عامًا على أحداث قرية (دير ياسين) وترحيل من بقي من سكانها منها، إلا أن الحلم يراودهم للعودة إليها يومًا. يقول عبد القادر زيدان (73 عامًا) أحد سكان القرية الذي قدم شهادته في الفيلم وحضر لمشاهدته: (إذا كان في نصيب سنعود، وأنا أوصي أولادي وأحفادي دائمًا بأن لا ينسوا دير ياسين).

دير ياسين .. القرية والمذبحة

تقع قرية _دير ياسين على جبل يرتفع 700  متر عن مستوى سطح البحر، وتبعد عن مدينة القدس نحو ستة كيلومترات، ويحيط بها كل من مدينة القدس وقرى (عين كارم) و(لفتا) و(كالونيا). كان عدد سكان القرية في ذلك الوقت (9/4/1948م) لا يتجاوز ستمئة نسمة. وقد شكلت شهادة القائد الشهيد عبد القادر الحسيني في معركة (القسطل) حافزًا رئيسيًا للعصابات الصهيونية لمهاجمة القرية واحتلالها وارتكاب المذبحة، فقد أصيب العديد من شباب القرية في معركة (القسطل)، وكان العديد منهم في المستشفيات وعدد آخر في القدس للمشاركة في جنازة (الحسيني)، مما شكل فرصة لمباغتة الحماية القليلة في القرية ذات التجهيز والعتاد المحدود.

وقد هدفت العصابات الصهيونية من وراء ارتكاب تلك المذبحة إلى إثارة حالة من الفزع والرعب بين الفلسطينيين في القرى والمدن الأخرى في فلسطين، حتى يتم لهم احتلالها بلا قتال، حتى إن أحد زعماء الإرهاب الصهيوني قال: (لولا مذبحة دير ياسين لما قامت دولة إسرائيل).

ومذبحة (دير ياسين) لم تكن الأكثر بشاعة قياسًا بمذبحة (الطنطورة)، حيث دفن مواطنوها أحياء، ولا كان ضحاياها الأكثر عددًا قياسًا بمذبحة (الدوايمة) التي جاوز شهداؤها 500 نسمة، إلا أنها تفردت بين المجازر المئة خلال حرب الـ(48) بأنها الأشد تأثيرًا كارثيًا في الروح المعنوية للشعب العربي الفلسطيني، للزمان والمكان اللذين اقتُرفت فيهما، ولغلبة الانفعال على الموضوعية في الإعلان عنها وترويج أخبارها.

المخرجة في سطور ..

ساهرة درباس، من مواليد مدينة (حيفا) عام ،1964 وتعمل مخرجة في التليفزيون الإيطالي منذ عام ،1995 حصلت على (دبلوم) في الكيمياء من معهد حيفا للتكنولوجيا عام 1987. ساهمت في إعداد وإخراج عدد من الأفلام الوثائقية، من بينها: فيلم (رحلة المسيح)، وفيلم (حيفاوي). كما نشرت في عام 1993عدة كتيبات عن 3 قرى فلسطينية دمرتها قوات الاحتلال هي: (الطيرة، والبروة، والسلامة). وتعيش حاليًا في مدينة القدس مع زوجها الإيطالي الذي يعمل صحفياً. وقد أنجزت قبل عامين فيلم (كان في جعبتي 138 جنيهًا فلسطينيًا.. قصة هند الحسيني) الذي يمتد نحو عشرين دقيقة، والذي احتاج منها نحو عامين من البحث والتنقيب عن مواد أرشيفية. وقد تضمن الفيلم الذي يسرد حكاية المناضلة الفلسطينية الراحلة هند الحسيني ضمن تسلسل تاريخي صورًا بالأبيض والأسود لمجموعة من الأنشطة التي كانت تقوم بها من أجل جمع الأموال اللازمة لإتمام مشروعها الذي بدأته بعد عام 1948 لتوفير مأوى لخمسة وخمسين طفلاً يتيمًا من ضحايا مذبحة (دير ياسين). ويذكر الفيلم نقلاً عما كتبته (الحسيني) في مذكراتها أنها مرت بمجموعة كبيرة من الأطفال كانوا من الناجين من مذبحة (دير ياسين)، ولم يكن في جعبتها سوى 138 جنيهًا فلسطينيًا، ومع هذا قررت أن تعيش مع خمسة وخمسين طفلاً أكبرهم كان عمره 12 عامًا وأصغرهم سنة واحدة.

وقد قدمت درباس في الفيلم بطريقة مكثفة كيف تسلسلت الأحداث منذ ما قبل عام 1948مرورًا بالحديث عن النكبة عندما هُجرَّ (750 ألف) فلسطيني من منازلهم قسرًّا في الحرب التي انتهت بالإعلان عن قيام المسماة (إسرائيل).

العدد 1105 - 01/5/2024