في ذكرى تأسيسه… الحزب الشيوعي السوري (الموحد) والأزمة الحالية

ساهم الحزب الشيوعي السوري منذ تأسيسه في 28 تشرين الأول عام 1924م، في معارك مشرفة في سبيل الاستقلال الوطني وجلاء الاستعمار الفرنسي، وفضح الحزب وباستمرار الحركة الصهيونية ونشاطها، وناضل من أجل أوسع الحريات الديمقراطية للجماهير الشعبية، وفي سبيل إصلاح زراعي جذري، وتبنى مطالب جميع العمال والكادحين ضد الإقطاع والرأسمالية، وعمل بشكل دؤوب لإقامة الجبهة الوطنية ثم الجبهة الوطنية التقدمية، وخاض نضالاً ضارياً ضد الديكتاتوريات الرجعية والأحلاف العسكرية والاتحادات المشبوهة. وكان للحزب دوره البارز في فضح البرجوازية الطفيلية والبيروقراطية.. كما ناضل الحزب ضد كل اضطهاد أو تمييز على أساس القومية والدين والجنس.. وقدم الحزب خلال تاريخه الكثير من الشهداء في سبيل إعلاء راية الوطن وتحقيق مصالح الشعب.

الحزب والأزمة الوطنية الحالية

عقد الحزب الشيوعي السوري (الموحد) مؤتمره الحادي عشر في 16/3/،2011 وفق شعارات وطنية وطبقية واضحة: (حماية الوطن – مصالح الجماهير – حرية المواطن). وبتاريخ 25 آذار صدر العدد (476) من جريدة (النور)، موضحاً رأي الحزب مما جرى في درعا، مستشفاً مواقف وأحداث ستحصل لاحقاً ببصيرة نافذة.

اتخذ حزبنا مواقف سياسية وطنية وطبقية، بالاستناد إلى نظرية فكرية ومنهج علمي، أعطت عمقاً لمواقفه السياسية المتوازنة.

وقد تمحورت سياسات الحزب حول:

1- رفض الحل الأمني، ورفض العنف والعنف المضاد.

2- الجيش العربي السوري هو الجهة الوحيدة المكلفة بحماية الوطن والمواطن.

3- نبذ حزبنا العنف في سياساته، منذ التأسيس حتى الآن، ويشهد تاريخه على ذلك، فالشيوعيون السوريون لم يمارسوا العنف، على العكس من ذلك، الكثير من القوى السياسية الأخرى، مارست بشكل أو بآخر اضطهاد الشيوعيين وزجهم في السجون، ونحن هنا لا نسعى إلى نكء الجراح، بل نريد توضيح أن تاريخ الحزب في هذا المجال خال من أية ظاهرة عنفية.

4- دعا الحزب منذ بداية الأحداث إلى حوار وطني واسع يضم جميع الأطياف السياسية والفعاليات المدنية والدينية التي تنبذ العنف، للتوافق على حل الأزمة سلمياً.

5- محاسبة المسؤولين الذين تسببوا في زيادة العنف، ورد المظالم لأصحابها.

6- الإفراج عن المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي الذين لم يتورطوا في أحداث قتل وما شابه.

7- سعى الحزب إلى إقرار الحقوق المدنية في ظل دستور يضمن تكافؤ الفرص.

8- إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية بما يتناسب مع مصلحة الشعب والوطن.

9- انتقد الحزب دائماً ظاهرة الفساد الكبير والصغير، ويكاد لا يخلو عدد من صحيفة (النور) من التطرق لهذه الظاهرة المرعبة في مفاصل الدولة.

10- قدم الحزب العديد من المبادرات الواقعية المبدئية والحلول المختلفة للخروج من الأزمة ولم يأخذ موقف المتفرج، وكل ذلك كان متوافقاً مع المصالح العليا للشعب السوري.

لا شك في أن الأزمة الوطنية الحالية هي أكبر خطر يتهدد سورية، في ظل ذلك يتخذ الحزب مواقف متوازنة في ظل تجاذبات مختلفة، تحاول حرف الحزب باتجاهات غير محسوبة، تحمل في طياتها مغامرة كارثية، هذا ما جعله يتعرض لانتقادات لاذعة منذ البداية، لكن قيادة الحزب كانت متيقظة لذلك، وقدم الحزب تحليله للأزمة بأنها مركّبة، وقسم ذلك إلى شقين:

أ- الشق الأول – بعد داخلي: يتلخص بالوضع الداخلي بكل معطياته ونتائجه المباشرة على المواطن العادي البسيط وإسقاطاته التي أدت إلى تراجع كبير في قدرته اليومية على الاستمرار، في ظل فساد هائل وكبير يطول كل مفاصل الدولة، طالما نبه الحزب إلى ذلك، وإلى خطر استغلاله من الخارج:

(نحن في الحزب الشيوعي السوري الموحد نريد لغدنا الذي نعمل لأجله، تلبية المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية للفئات الفقيرة والمتوسطة، وعلى رأسها قوى العمل وصغار الفلاحين وجمهور الحرفيين والشباب والنساء، وبإصلاح سياسي واجتماعي حقيقي يحقق مطالبها، باعتبارها تمثل أكثرية الشعب السوري).. جريدة (النور) – العدد 499 تاريخ 31/8/2011.

أيضاً في البعد الداخلي، حلل الحزب ودعم حركة الشارع السلمية التي تدعو إلى تحقيق مطالب سياسية واجتماعية مشروعة، وميّز بينها وبين العصابات المجرمة التي تريد تحويل المدن إلى مقاطعات يحكمها هذا الأمير أو ذاك. جريدة (النور)، العدد 499 – تاريخ 31/8/2011.

ودعا الحزب إلى إطلاق سراح الموقوفين على خلفية الأحداث ممن لم يتورطوا بأعمال قتل وما شابه، كما ركز على تنفيذ التعديلات الدستورية التي لو نفذت في وقتها لوفرت على سورية الكثير، ولم يغفل الحزب رأيه الصريح بأنه (يوجد في معارضة الداخل من يطلب الناتو، وفي السلطة من يسقط الممارسة الدموية لعصابات إجرامية على حركة الشارع السلمية كي يبرر تصعيد القمع، وكلا الطرفين يسعيان إلى عرقلة أي إصلاح حقيقي في البلاد) – (العدد نفسه من (النور).

ب- الشق الثاني – بعد خارجي: يتلخص في مؤامرات أعداء الداخل والخارج الذين لم ولن يتركوا فرصةً إلا وذهبوا إلى استغلالها، مسترجعين أن سورية دولة قوية يجب إنهاكها داخلياً واستغلالها خارجياً، وتفتيتها جغرافياً، وتمزيقها طائفياً، وتدميرها اقتصادياً وعسكرياً.

نستطيع أن نقول إن حزبنا في تحليل هذين البعدين، مع تفصيل واسع لذلك، كان الأسبق في تحليل الأزمة ومعطياتها، إذ درس وحلل ثم استنتج، ثم أعطى بعداً واقعياً تفصيلياً لطبيعة المجتمع والقوى المحركة، وأنتج تحليله الذي يستند لمنهج معرفي أسقطه على واقع متعدد المشارب، فكان هذا الموقف المتوازن العميق الجذور في تربة الوطن، فلم يطرح شعاراً ثم تخلى عنه حسب درجة تجاذبات المواقف الدولية وانعكاساتها على الأرض، ولم يأخذ موقفاً انفعالياً عاطفياً حسب حرارة الأحداث وتجلياتها.

ببساطة شديدة، كان هناك تناسب هندسي في المواقف تجلت فيمايلي:

1- موقف الدفاع عن الوطن والمواطن.

2- نقد شديد ولاذع لسارقي قوت الشعب وأمنه.

3- مواقف مبنية على معرفة بواقع مجتمعنا وقواه المؤثرة.

4- مواقف تعبر عن فكره وأيديولوجيته التي قد تتعارض في بعض الأحيان مع مواقف الأحزاب الأخرى.

5- فضح سياسات الإسلام السياسي وتشريحها ودورها في غسيل الأدمغة.

6- الدعوة لأوسع تعاون مع جميع قوى المجتمع الوطنية الخيرة.

7- شرح الحزب سياساته في صحيفة (النور)، ولم يُتَح المجال كثيراً أمامها في الإعلام المرئي.

من خلال عرضنا السابق لرأي حزبنا في الأزمة، نستطيع أن نؤكد جملة أمور ونراها استنتاجات عامة في مقاربة الأزمة، وليست أحكاماً مطلقة:

أ- أظهرت القوى المتطرفة الأصولية المسلحة قدرة بارعة في تدمير بنية الدولة ومؤسساتها، من خلال استيلائهم على بعض مراكز الدولة ونقل المعارك إلى داخل المدن.

ب- بعض القوى السياسية الداخلية تأثرت بتجاذبات المواقف الدولية وانعكاساتها على الأرض، فكان هناك مواقف متناقضة حسب درجة تأثيرها على الواقع.

ت- غياب الممارسة الديمقراطية خلال الحقب السابقة، أتاح الفرصة لقوى الظلام والتطرف أن تجند عشرات الآلاف من الشباب تحت راياتها، مستغلة كل السلبيات التي أرخت بظلالها على المجتمع، بمعنى آخر: من ينسحب، هناك من يغطي، بما يشبه ظاهرة (المد والجزر).

ث- قناعة قوى التدخل الخارجي، وأدواتها في الداخل بأن الأمور في سورية منتهية خلال فترة وجيزة وسيسقط النظام تحت ضربات التدخل العسكري المباشر، ولم تدرك هذه القوى مدى قدرة النظام الردعية وتطورات الأوضاع الإقليمية المحيطة، وقوة حلفاء سورية وقدرتهم على التأثير داخلياً وإقليمياً ودولياً.

ج- تولد لدى النظام القناعة بقدرته على إخماد الحراك السلمي أو المسلح، خلال فترة بسيطة، ولم يدرك حجم التدخل الهائل، ومدى انسيابية القوى المتطرفة داخل شرائح المجتمع وترابطها مع الخارج واستغلالها لسلبيات النظام.

ح- حزبنا يدعو دائماً إلى إعطاء الاهتمام الأول لمتطلبات الداخل من (محاربة الفساد والبطالة – ديمقراطية المجتمع- الحريات العامة – قانون الأحزاب والإعلام وغيرها) وتنفيذ بيان القسم ومتطلباته.. ومقررات المؤتمر العاشر لحزب البعث، والقناعة بأن العلاقة بين الداخل والخارج تبادلية، وتوازنها هو أساس المصلحة العليا للشعب والوطن. فالسياسة الخارجية وعوامل صمودها لن تكون وطنية، إلا إذا كان المواطن حراً ويشعر بكرامة.

خ- التجاوزات الأمنية عكست ردود أفعال عنيفة، فتلقفتها القوى الظلامية وعكستها في مواقف طائفية بغيضة، مستفيدة من إعلام سعودي خليجي ودعم إعلامي هائل غسل الأدمغة، وصور الصراع في سورية على أنه طائفي وليس إصلاحاً سياسياً واقتصادياً وديمقراطياً.

د- أظهرت القوى المتطرفة الظلامية قدرة هائلة في استفزاز النظام، بسبب حملها للسلاح، وفي زيادة العامل الأمني لدى النظام على حساب العامل المدني والمؤسساتي، فأدى إلى تعزيز مراكز القوى المتطرفة داخل النظام.

ذ- حين حلل الحزب الأزمة بأنها مركبة، كان تحليله وطنياً وطبقياً، وراعى في ذلك مصلحة الوطن والشعب، فالحزب يدرك أن هناك قوى سياسية تكونت تاريخياً في سورية، ولا يستقيم العمل السياسي إلا بمشاركة كل الأطياف في صنع القرار، ويدرك جيداً طبيعة سورية وتنوع مكوناتها السياسية والطائفية والإثنية، وأهمية الشراكة مع كل قوى المجتمع الحية، فسورية هي للسوريين جميعاً.

العدد 1105 - 01/5/2024