من الصحافة العربية العدد 601

التقارب السعودي  الإسرائيلي

النظرة إلى الوضع العربي الراهن تسفر عن محاولة البحث عن إجابات على تساؤلات أساسية.

أول هذه التساؤلات هو ما إذا كان بإمكان السعودية أن تتزعم الوطن العربي، ذلك أن الدلائل تشير إلى أن تزعم السعودية للوطن العربي هو هدف إسرائيلي يكاد يكون صريحاً. ليس فقط لأن إسرائيل تتجنب مهاجمة السعودية، بل تتجنب حتى انتقاد مواقف السعودية بشأن أي من القضايا العربية والإقليمية والدولية. وتكاد السعودية أن تكون في نظر إسرائيل مساوية لمصر في أهمية موقعها الإقليمي. فإسرائيل تتجنب في الفترة الأخيرة  نعني في السنوات الثلاث الأخيرة على الأقل  توجيه أي نقد أو لوم لمصر، خشية أن يعدّ ذلك ابتعاداً عن اتفاقات ومعاهدات السلام الموقعة معها، وهو الموقف نفسه الذي تتخذه مصر في ظل نظامها الحالي تجاه إسرائيل. ويظهر جلياً أن مصر تريد من وجهة نظر نظامها القائم تأجيل خلافاتها مع إسرائيل إلى وقت تكون قد انتهت فيه من تدبير أمورها الداخلية، أو بالأحرى خلافاتها الداخلية.

وقد لوحظ أن السلطة الحاكمة في مصر رحبت بشدة باقتراب السعودية منها ومدّها يد المساعدة المالية من أجل تحسين الوضع الاقتصادي والمالي المصري، ولوحظ أيضاً أن إسرائيل بدت مرحبة  على الأقل  بهذه الخطوة السعودية المهمة. وهو ترحيب يساوي قبول إسرائيل لارتفاع منسوب النفوذ السعودي في مصر. كما يلاحظ أيضاً أن إسرائيل لا تتخذ موقفاً نقدياً من سياسة مصر الراهنة بالنسبة للدور السعودي في أزمة سورية، وهو موقف يتفق إلى ابعد الحدود مع موقف إسرائيل من سياسة السعودية التي تلعب دوراً نشطاً لأقصى الحدود في تمويل وتسليح الحرب الدائرة ضد النظام السوري. فلم تصدر كلمة واحدة يمكن اعتبارها من قبيل الانتقاد للدعم السعودي المالي والتسليحي لما يسمى بالمعارضة السورية، وهو تعبير لا يقصد فقط التنظيمات المحلية السورية المناهضة لنظام بشار الأسد، إنما هو تعبير يشمل التنظيمات الأجنبية الكثيرة التي تعمل في المناطق السورية ضد النظام السوري. المملكة السعودية تبدي اهتماماً فائقاً بتزعم الوطن العربي، وفي الوقت نفسه فإن إسرائيل لا تبدي أي معارضة لهذا الهدف. إسرائيل تبدو راضية عن تراجع زعامة مصر في ضوء انشغالها بأحوالها الداخلية، بما في ذلك الأحوال السائدة في سيناء، التي تشغل مصر بمجهودات عسكرية غير قليلة. والسؤال هنا هو: هل تستطيع المملكة السعودية أن تتزعم الوطن العربي، وأن تمارس فيه نفوذاً يتخطى حدود منطقة الخليج ليشمل المنطقة العربية من العراق شرقاً إلى موريتانيا غرباً؟

الأمر المؤكد هو أن السعودية تتصرف في المنطقة العربية تصرف من يعتقد أن الزعامة لها تكاليفها  أو بالأحرى نفقاتها  المالية. في حين أن الزعامة القومية والإقليمية إنما تعني أموراً تتعلق بالانتماء التاريخي والسياسي والجغرافي والثقافي، أكثر مما تعني تمدد السلطة المالية وتأثيراتها. كما أن الزعامة لا تقف عند حدود التشابه في الأوجه التاريخية والسياسية والجغرافية والثقافية، إنما تتجاوز ذلك إلى الحجم السكاني ومدى التأثير الفكري والثقافي، وكذلك السياسي للبلد الذي يمارس هذه الزعامة على مدى تاريخي كبير.

تستطيع المملكة السعودية، بفضل تميزها النفطي، أن تمارس قدراً من النفوذ المالي في المنطقة العربية، ولكن ذلك لا يكفل لها زعامة قومية أو إقليمية. بل إن نفوذ السعودية المالي يمكن أن يمتد إلى بلدان لا تقع في إطار الوطن العربي جغرافياً أو تاريخياً، ولكن ذلك لا يكفل لها زعامة في المنطقة بالمعاني المذكورة. يمكن أن يكون هذا النفوذ محسوساً في أفريقيا وآسيا، وحتى في أوربا إلى حد ما، ولكنه لا يصل إلى حد الزعامة ولا يحمل صفاتها الأساسية. ويمكننا في هذا المجال أن نذكر أن السعودية تتمتع بقدر من النفوذ المالي في الولايات المتحدة بسبب اعتماد الولايات المتحدة على ما تستورده من نفط من السعودية وما تصدّره لها من أسلحة وغير ذلك من السلع. ولكن هذا القدر من النفوذ لا يصل بالسعودية إلى حدود التأثير في السياسة الأمريكية حتى في إطار الشرق الأوسط كمنطقة جغرافية.

وحينما يبدو أن ثمة خلافاً بين السعودية والولايات المتحدة، كما هو الحال في الوقت الحاضر، نتيجة للتطورات التي تظهر الآن في السياسة الأمريكية تجاه إيران وما تخشاه السعودية من تحول العلاقات بين أمريكا وإيران من السلبية إلى الايجابية، فإن أحداً لا يمكن أن يتوقع أن تمارس السعودية أي قدر من النفوذ على الولايات المتحدة يصل إلى حد الزعامة، أو حتى إلى حد التأثير على توجهات الولايات المتحدة السياسية في منطقة الشرق الأوسط التي يقع في إطارها كل من إيران والسعودية. قد تبدو حدود التأثير الأمريكي والسعودي على سياسات كل من البلدين تجاه إيران في اتجاه التغير، ولكن هذه السياسات ستبقى محكومة بالعلاقات الثنائية بين السعودية والولايات المتحدة أكثر من أي اعتبار آخر، وقد تؤدي التطورات إلى تحسن في العلاقات الأمريكية – الإيرانية من دون أن يؤدي هذا إلى تدهور في العلاقات الأمريكية – السعودية.

ومن المؤكد أن ثمة صراعاً على النفوذ في منطقة الشرق الأوسط في الوقت الراهن بين إيران والسعودية، وإن لم يبلغ هذا الصراع مبلغاً خطيراً، فإن ذلك لن يكون له تأثيره على علاقات أي من البلدين مع الولايات المتحدة. هذا بالطبع ما لم يكن لإسرائيل دخل بهذا الوضع. فإنه عندما تمس الأمور إسرائيل تستنفر الولايات المتحدة وتكون مستعدة، بل وراغبة في النيل من أي طرف يحاول أن يضر بمصالح إسرائيل. ويبدو أن السعودية قد أدركت، في الفترة الأخيرة خاصة، ارتباط علاقتها بالولايات المتحدة بإسرائيل، وليس بالنفط وحده. إن غياب أي نقد سعودي رسمي لإسرائيل يزيد في اقتناع الولايات المتحدة ب(عقلانية) السياسة السعودية.

وإذا ما تساءلنا عما إذا كان من الممكن أن تعمل السعودية من أجل نظام أكثر ديمقراطية في سورية، فإننا نقع في تصور خاطئ مزدوج. فالسعودية لا تتقيد بأي نظام ديمقراطي في الحكم داخل البلاد السعودية نفسها. وفي الوقت نفسه ليس صحيحاً أبداً أن الولايات المتحدة تبدي أي درجة من الحرص على وجود حكم ديمقراطي في سورية. الأولى – السعودية – تفضل نظاماً في سورية يخضع للنفوذ السعودي والابتعاد عن أي صراع مع إسرائيل، والثانية  الولايات المتحدة  تفضل نظاماً يخضع للنفوذ الأمريكي ويرضخ لقوة إسرائيل ومصالحها أكثر من أي قوة أخرى في المنطقة. وتعرف الولايات المتحدة جيداً أن مصالحها النفطية والعسكرية في السعودية تخضع لوجود نظام غير ديمقراطي في السعودية. ولهذا فإن أمريكا لا تذكر من قريب أو من بعيد أي شيء عن وجود قوى معارضة سعودية في السجون لكونها تناهض النظام السعودي غير الديمقراطي. وتعرف أمريكا جيداً مدى الارتباط بين المصالح الأمريكية النفطية والمالية في السعودية والنظام اللاديمقراطي القائم في المملكة. وتعرف أمريكا جيداً أيضاً أن السعودية بنظامها اللاديمقراطي لا يمكن أن تعمل لمصلحة الديمقراطية في أي بقعة من العالم، خاصة في الشرق الأوسط وبصفة أخص في منطقة الخليج.

أما لماذا تهتز السعودية إلى الحد الذي يبدو واضحاً الآن من احتمال قيام علاقات أفضل بين الولايات المتحدة وإيران، فإن لحجم إيران الجغرافي والسكاني دخلاً كبيراً بالأمر. إن إيران تشكل أكبر قوة سكانية واستراتيجية في المنطقة، الأمر الذي يؤهلها لدور يتناسب مع هذا الحجم بوجهيه، ويكشف في الوقت نفسه عن صغر حجم السعودية جغرافياً وسياسياً وسكانياً وعدم ملاءمتها لدور استراتيجي في المنطقة. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن هذه الصفات تمثل ثوابت لا علاقة لها بالدور الديني الذي تمثله السعودية في المنطقة والعالم.

التحالف الأمريكي الإسرائيلي هو الأساس في قيام تحالف سعودي إسرائيلي، وإن كان تحالفاً غير رسمي.

سمير كرم

  عن «السفير»

العدد 1105 - 01/5/2024