المجتمع العربي.. ألم يحن وقت التغيير؟!

اعتدنا في مجتمعاتنا العربية عموماً أن نسعى دوماً إلى اللحاق بركب الدول المتقدمة وخاصة الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية.. وكثيراً ما يمر في حياتنا اليومية الكثير من الأشخاص الذين يسهبون لدرجة الفهم العميق في الشرح حول الحقوق والواجبات التي يتمتع بها المواطن في تلك الدول، وما هي أوجه الحضارة التي تشبعت بها تلك الأمم، والواجب علينا أن نقوم بنقلها إلى مجتمعاتنا لتساهم في حل مشكلاتنا المختلفة، من الجهل إلى الطائفية إلى التعصب السياسي والديني..

وكما جرت العادة، فإننا نضع المفاهيم ونناقش السبل ونتوصل إلى النتائج، ولكننا ننسى دوماً أهم شيء في عملية الإصلاح المنشود لمجتمعاتنا، ألا وهي مواجهة أخطائنا والوقوف أمام المرآة كي نواجه مخاوفنا وعثراتنا ونقر بها أولاً، فتكون البداية صحيحة نحو بناء سليم يرمي أخطاء الماضي وراءنا، ويبشر بمجتمع أفضل وأكثر تحضّراً.

والغريب أننا يومياً نرى المئات من هذه الحالات في شوارعنا وأحيائنا وحتى في منازلنا، ونحن نضحك عليها على مبدأ (من هذا المنظّر الغبي (….فمثلاً في موضوع المرأة نستمع صباح مساء إلى خطابات مفكرين ومحللين وأناس عاديين، عن ضرورة تحرير المرأة وإعطائها حقوقها وأنها نصف المجتمع وأصله كله، وفي الوقت نفسه نتبع في منازلنا ومع أقربائنا الوضع المعاكس تماماً، ففي الوقت الذي يخرج (المنظّر) مع زميلاته وزملائه كي يستمتعوا بوقتهم، نجده يستشيط غضباً إذا رأى شقيقته أو إحدى قريباته تضحك مع زملائها الفتيان. في أحد الأماكن العامة، أو إذا علم أنها تخطط لمشروع تسلية فيه أحد أصدقائها من الفتيان،كل هذا في جهة وحب التملك المطلق لكل ما لدى الأنثى في كل شيء، حتى أبسط حقوقها كالزيارات العائلية والعمل واستقلال شخصيتها وغيرها من هذه الأمور تبقى موضوعاً آخر يطول نقاشه كثيراً، لذلك فنحن نعمل وفقاً لمبدأ عبر عنه الفنان الكوميدي المصري سعيد صالح في مسرحية (العيال كبرت) عندما قال: (سأطالب أولاً بتحرير المرأة ثم القضاء على المرأة).

حتى الحب لم ينجُ من عقدنا المزمنة، فدمّر الناس في مجتمعاتنا معانيه السامية وحوّلوه إلى وحش يصطاد الفتيات ويغري غرائز الشباب، وينتهي بالفاجعة والكارثة، وكأن قصص أجدادنا كقيس وليلى أو عنترة وعبلة الذين تغنت بهم أمجادنا وكتبت القصائد حول حبهم العذري أصبحت من الخطايا العشر يمنع الاقتراب منها، كل هذا بدلاً من إيضاح مفهوم الحب على أنه أكثر العواطف إنسانية ورقياً، وأن الإنسان يجب أن يكون حذراً ودقيقاً في هذه المواضيع، لأن مشاعر الآخرين ليست لعبة بيده، كما أن مشاعره يجب أن تكون مقدسة لأبعد الدرجات كي لا يعاني من مرارة الخسارة والضياع، وذلك لأننا نخاف من مواجهة أنفسنا وعقدنا المتراكمة نتيجة التربية الخاطئة لدى أهلنا وأهلهم من قبلنا.

وهنا يطرح في عقولنا السؤال التالي:هل يعقل أننا في هذه البلاد بهذا المستوى من الاختلاف عن سائر شعوب الأرض كي نفهم كل المقاييس بالعكس؟

إن الإجابة عن هذا السؤال تكمن في النظر إلى اثنين من المواضيع الجديدة القديمة في حياتنا اليومية، وهما ثنائية الدين والسياسة والروابط بينهما.

فالدين في مجتمعنا أصبح بعيداً كل البعد عن المعاني الحقيقية للاعتدال الديني والتسامح الذي بشّر به الأنبياء، فنجد كثيراً من الأشخاص يحاولون الدفاع عن طائفيتهم قبل وطنهم، ويعلون الطائفة فوق الدين نفسه وكأنها دين جديد، ويحرمون ما حلل الله ويحللون ما حرم تبعاً لرغباتهم، مستغلين في ذلك الشباب الذي لم يعِ ولم يدرك حياته الدينية الصحيحة، في حين نجد البعض الآخر يكفّر الغير ويحرق مقدساته ويلغي حتى حقه في الحياة عبر إعدامه الجسدي والفكري معاً مستخدماً فتوى التكفير والضلال، كل هذا تحقيقاً لأهداف سياسية تتستر بالدين في سبيل الوصول إليها، ودمر مستقبل الكثير من الشباب في ريعان صباهم خدمة لمصالحه التي شوهت الدين وألغت معانيه ومبادئه. ولا يقتصر الكلام على هذا، فأبسط قيم الدين يتم التلاعب بها، فكيف أصبح حجاب المرأة أهم من صلاتها أو من صيامها؟ أو أنها عورة يجب إخفاؤها بالخمار بدلاً من الحجاب؟ وكيف أصبح الإيمان لا يتحقق إلا بالطاعة العمياء لبعض الناس الذين يدّعون زوراً أنهم شيوخ دين وعارفون بشرع الله، وهم يطبقون بذلك شريعتهم الخاصة، شريعة البغض والكره البعيدة تماماً عما جاء به الإسلام وغيره من الأديان السماوية؟ فلو نظرنا من حولنا إلى الشعوب الأخرى لوجدنا أن غالبية الشعب الصيني بلا دين ولا عقيدة، لكنه شعب منضبط ومجتهد ومخلص ومتفان في عمله، وينافس سادة العالم ويحقق معجزات اقتصادية، وينتج كل ما يحتاجه الإنسان في العالم من الإبرة حتى الطائرة، بينما نحن نتشدق بالدين والعقيدة فقط دونما هدف أو غاية، وهنا فأنا لا أبتعد عن الدين، لكن المقصد أن الدين ليس له أي تأثير إذا كان شخصياً ولنفسك، وخارج الدولة والمجتمع.

يبقى أعجب ما أطل علينا من مصطلحات قديمة جديدة في هذه المرحلة هو مصطلح الإسلام السياسي، فبقدرة عجيبة دُمج الدين السامي الذي يحض الناس على المحبة والتسامح بالسياسة المعروفة بأنها من أسوأ الأعمال، لكثرة الخداع والغش فيها، والغريب أنه أصبح أحد أشكال العمل السياسي في بلادنا كالقومية والشيوعية وغيرها، وتحت عباءته مورست أبشع أنواع الإقصاء السياسي تحت شعارات (إن لم تكن معنا فأنت ضدنا) و(نحن الطريق الصحيح وغيرنا باطل)، وكأنهم يطبقون مقولة الصهاينة بأنهم شعب الله المختار.

ألم يحن الوقت لكي نتغير… ماذا ننتظر؟

هل الجهل والغباء والتخلف قدر هذه الأمة ولا مهرب منه، أم أننا بالفعل تشبّعنا بثقافة التبعية للآخرين دون سؤال، بل لمجرد التقليد الأعمى أم ماذا؟ ألم يحن الوقت لنغادر القواميس والجعجعة والكلام والأصوات لنرسو على الواقع؟ متى نخرج من عنتريات كتب التاريخ ومفاخرات ملاحم أجدادنا إلى الواقع الملموس؟

متى سنتغير؟ فكل الأمم توافقت وتغيرت وصنعت أمجادها على الأرض إلا نحن فنحن أمة مازالت تتقاتل على السماء وحرقت الأرض، فلا الأرض أنصفتنا ولا السماء أحبتنا، وصرنا لعنة الوجود يضرب بنا المثل في الجهل والتخلف، وأصبحنا قطعان خراف تلهو بها الذئاب من كل حدب وصوب.

متى سنقف لنرى العالم؟ متى سيهب علينا تسونامي الفكر ونصبح أمة مثل باقي الأمم؟ ومتى سنرد على المتنبي ونصبح يا أمة انبهرت بازدهارها باقي الأمم؟

العدد 1105 - 01/5/2024