ريادة مجتمعية

الحياة منذ بدئها مؤلفة من الكثير من الأنماط والصور والأشخاص والأوضاع والظروف المحيطة. وكان على الإنسان أن يجد طريقته الخاصة ليصل إلى بر الأمان. ومن هنا بدأت المجتمعات تطوراتها السياسية والاقتصادية والتشريعية، لتصل – على حسب تفكيرها – إلى الحل الأنسب لحياة كريمة.

لكن تلك الظروف آلت لدى البعض أن يصلوا إلى درجة رفاهية كبيرة، وآخرون إلى رديئة. بعضهم وصل إلى مستوى سياسي مهم، والآخر أكلته السياسة. بعض الظروف آلت لفقر وتشرد وبؤس وحرمان، وأخرى معاكسة تماماً.

ولأن بعضنا يهتم أن تتوازى الحياة بفرصها لدى الجميع، فقرر أن يغوص في الحياة الاجتماعية والإنسانية. فمنهم من قرر التبرع بالمال، ومنهم بتقديم المكان للمشردين أو للأيتام، ومنهم من حاول تأمين فرص للعمل.. ولضرورة أن يكون هناك طريقة مدروسة وقانونية للقيام بأي خطوة، صار هناك ما يسمى بالريادة المجتمعية.

الريادة المجتمعية هي عبارة عن مبادرة تقوم بها الفرق التطوعية، لتقدم مساعدات للمحتاجين والمتضررين من ظروف الحياة بأنواعها. وعلى المبادرين أن يلتزموا بخطة مدروسة ومبنية على رؤية وقيم ومبادئ وأهداف واضحة.

ولأن سورية الآن تعبة من ظروف الحياة السياسية والاقتصادية، ولأن السوريين تَهدمت بيوتهم وقُتلت أولادهم وشُرّدت أسرهم وبَخست عملتهم، ولأن كثيرين منهم موجودون الآن في المدارس والأقبية وما شابه، نبعت من قلوب أهل الياسمين رياداتهم المجتمعية، فقاموا بمبادرات تعنى بالأطفال والكبار، والرجال والنساء على حدٍّ سواء. فبعض تلك المبادرات تقوم على تعليم الأطفال وتسليتهم وفحصهم طبياً ونفسياً، لإخراجهم من فوضى الحرب. وبعضها تخصص في تأمين المعونة للأسر، عن طريق جمع التبرعات أو تأمين ملجأ مناسب أو تدريبهم على صنع عملهم الخاص.

وهناك طبعاً الكثير من المبادرات الرائدة ك: (رمّم مدرستي)، (حقّي أتعلم)، (خسا الجوع)… وما إلى ذلك من محاولات إنسانية يقوم بها سوريون لمساعدة سوريين. وإن أردنا ذكر مهتمين بذلك، فنجد أن للأمانة السورية للتنمية باعاً في ذلك، كما أن لجامعة دمشق، بفريقها التطوعي _النحل الأخضر)، تميّزاً مع أولئك الشباب المتميزين، الذين يحاولون يكل طاقاتهم وحيويتهم مساعدة من يستطيعون من أطفال الوجع والألم، ومن سكان الحرب والتشرد.

وأما (عيادات العمل – جامعة دمشق) فأدت دوراً خاصاً ومتميزاً كما العادة. فمن ضرورة أن تقوم بمبادرة مجتمعية أن تكون أولاً على علم بكيفية القيام والتخطيط لتلك المبادرة ضمن ورشة تدريبية من ثلاثة أيام، تقوم بتدريب المهتمين على أهمية المصطلحات، وأولوية المعطيات وطريقة التفكير بتجنب المخاطر، ومن هم الذين يجب علينا التواصل معهم لنصل إلى مبادرة متكاملة من جميع جوانبها، فنكوّن حينئذ الطريقة الأمثل لكتابة صيغة متكاملة لمبادرة ريادة مجتمعية مهمة ومفيدة.

(عيادات العمل) هي طريقنا مرة أخرى إلى مجتمع يحوي شباباً معطاء وواعياً لأهمية أن يُساند بعضنا،  نحن السوريين، بعضنا الآخر، مهتمين بتلبية حاجاتنا كما حاجات غيرنا، قادرين على تدريب أنفسنا لننمو نحو الأفضل، وإيصال ذلك إلى من هم بحاجة إلى ذلك، متمنين لأنفسنا حياة كريمة كما نحن نتمناها للآخرين. عيادات العمل طريق أي شاب ليكوّن رؤية مختلفة ومتجددة ومستقبلية نحو شمس سورية الجديدة والمتجددة.

العدد 1105 - 01/5/2024