أطفالنا… كيف نفهمهم؟

غالباً ما تترافق سعادة الأسرة برؤية الطفل يكبر أمامهم بنوع من القلق والهم، بسبب  المسؤولية الملقاة على عاتقها في كيفية تنشئة هذا الطفل ومدى تحقيقه لتوقعاتها، وإكسابه قيماً واتجاهات معينة يرضى عنها المجتمع. والسؤال هنا يدور حول أساليب الأهل للقيام بهذه المهام.

وقبل الإجابة يجدر بنا الخوض في أعماق الطفل وقراءة ما يسيطر على سلوكه من دوافع إلى الاستقلالية وإظهار الذاتية والشعور بالكفاءة. فالممارسات التي يتبعها الوالدان في أثناء تنشئة الطفل الاجتماعية، قد تؤدي غالباً إلى وقوعه في صراع وتناقض بين هذه الدوافع من جهة، وبين الخوف من العقاب على سلوكه (بناء على هذه الدوافع) من جهة أخرى.

فالطفل ليس كائناً سلبياً يستجيب لما يريده منه الآخرون، بل هو كائن إيجابي، أي يسعى بإيجابية للحصول على حلول توافقية لذلك التناقض. وردوده الطبيعية على الأحداث هي عبارة عن محاولات تلقائية للتخلص من التوتر الذي قد تثيره لديه هذه الأحداث.

وثمة فروق فردية في المزاج الذي يكون عليه الأطفال منذ يوم ولادتهم.. فهم يختلفون إلى حد كبير فيما يسمى بـ(الأسلوب أو النمط المزاجي) والذي يتضمن سمات متعددة، مثل مستوى النشاط العام- مدى الانتظام في العمليات البيولوجية – مقدار الحساسية للمثيرات الخارجية – شدة الاستجابة – مدى الانتباه ومدته.

ومن هنا وجبت مراعاة هذه الفروق في أثناء التنشئة الاجتماعية للطفل.. وقد أثبتت الدراسات أن أكثر أساليب التربية شيوعاً بين الأسر هو العقاب بأشكاله المختلفة (بدني – إثارة الألم النفسي – خلق الخوف بوساطة كائنات خرافية) وغير ذلك من مثيرات القلق.

وعلى أساس التفاعل بين الطفل والكبار المحيطين به، إما يُضبط السلوك العدواني التلقائي الذي يصدر عنه في البداية، أو ينمو عندما يكون الآباء والأنداد نماذج عدوانية يحتذي بها الطفل.

والواقع أن الأطفال في الظروف العادية يمرون وسط خبراتهم الناجحة بخبرات من الفشل لا مناص منها.. وعموماً عندما يقعون في الأخطاء (و ليس هذا بالشيء النادر في حياتهم)، فليس لأنهم يقصدون أن يكونوا مخطئين، بل لأنهم ببساطة لم يتعلموا كيف يمنعون أنفسهم من الوقوع في الخطأ. فالطفل يجد أنه من الصعب عليه أن يتحمل مسؤولية هذه الأخطاء. فهي بالنسبة إليه عبء من الشعور بالذنب لا يتحمله، فهو يخشى أن يفقد حب والديه له.. فيبذل قصارى جهده لكي يكون على المستوى الذي يريده له والداه.

وهذه الأمور تفرض على الآباء أن يكونوا أكثر صبراً أثناء التعامل مع أطفالهم.. وإذا كانوا يلتقون في (رغبة تنمية الاستقلالية)، فهناك أمور يجب أخذها بالحسبان، كتحديد التوقيت الذي يتوقعون فيه من أبنائهم إنجاز مهام أو واجبات معينة، والأسلوب الذي يعاملونهم به إذا فشلوا في إنجاز تلك المهام وتشجيعهم لإنجاز الأفضل دوماً.

فعلى الوالدين رسم خطة موحدة لما يرغبان أن يكون عليه سلوك الطفل وتصرفاته.. من أوّلياتها عدم نعت الطفل بـ(السيئ)، كي لا يشعر بأنه مرفوض لشخصه، مما يؤثر على تكامل نمو شخصيته مستقبلاً وعلى تكيّفه الاجتماعي.

إضافة إلى إعطاء الأوامر بصورة حازمة واضحة وليس استجداء الأطفال أو التوسل، وعدم منحهم فرصة للسرد وخلق التبريرات حيال سؤال (لماذا تفعل هذا؟).

و لا بد من التركيز على أهمية إشعار الطفل بحرارة العاطفة نحوه، إلى جانب الإصرار على الضبط السلوكي والحزم في أدائه لواجبه وتقبله كما هو.

بالانضباط والحب يتعلم ابننا السيطرة على ذاته واحترامها، وعلى الآباء ألا يفترضوا الكمال في ذواتهم.. وتصرفاتهم.. فأحياناً تتطلب تربية الأبناء تبديلاً في سلوك الأهل. فقد يكون الانضباط والهدوء اللذان يطلبونهما من أبنائهم غير متوفرين لديهم.. وهنا يطول الكلام.

العدد 1105 - 01/5/2024