عمّنا سليمان يا مبدع الألحان!

كنت في الصف الأول الابتدائي عندما بدأت المعلمة تعلمنا أول أغنية: ماما ماما يا أنغاما…. تملأ قلبي بندى الحب. كنت أردد النشيد مع المعلمة وأبكي إذ أذكر أمي التي أفارقها لأول مرة بدخولي المدرسة. حفظنا النشيد، وأعقبه آخر: بابا بابا يومك طابا، كلمات ناعمة رشيقة تذوب تحت لسان الطفولة مثل غزل البنات. اليوم وأنا أسمع خبر رحيل منشد طفولتنا سليمان العيسى فاض بي الدمع، وكان علي أن أبرر هذا التأثر على شخص لا يمت لي بصلة قرابة ولم أره في حياتي. رحت ألملم الروابط التي شبكت حياته بحياة جيلي، فإذا بي أذرف الدمع على رفاقي جيل (فلسطين داري ودرب انتصاري) جيل الحالمين المنكسرين، جيل البيوت الصغيرة التي (أحلى من بيت العصفور) حيث الأبواب مشرعة على الجيران، نلعب ونلهو معاً، نأكل في أي بيت وننام على أي فراش. بكيت جيل أبنائي الذين يغنون في باحاتهم (بوس الواوا) ويستعيضون عن الملاعب والأصدقاء بشاشة مضيئة. بكيت (الأرنب الأبيض مثل النور) الذي لعب بخيالنا، فقضينا الربيع نبحث عنه في البساتين القريبة والجبال البعيدة، بين الصخور والأشجار، ولكنه بقي رهين أغنية، بينما أفلتت ثعالب الحكايات من أوكارها. بكيت العم اللطيف الذي يهوى الأطفال ويقدر على صنع بيوت لألعابهم، والخالة المدهشة التي لا تدخل بيوتنا دون أن تحمل لنا علبة بسكويت، وكذا المعلمة السمراء التي تضيء عتمة الصف إذا غابت الكهرباء بحكاية ساحرة تنسينا ما حولنا، وتنطبع في ذاكرتنا كأجمل قصة سنعرفها طوال حياتنا.

لأجل كل ذلك،وباسم أبناء جيلي الذين حملوا أناشيدك في حقائبهم مع (عروسة الزعتر) وتمرغوا بتراب الأرض التي اشتاقت لمطر ينهمر من غيمة شقراء الهدب، أهدي وردة لروحك عمنا سليمان العيسى الذي حفظنا اسمك باكراً ظناً منا أنه جزء من النشيد، وأقدم العزاء لأطفالنا الذين تاهوا عن أغانيك في ذروة الفحيح والعواء.

العدد 1104 - 24/4/2024