إدماج الحركة النسوية والمدنية في مفاوضات السلام

تصارع الحركات النسوية السورية لإثبات دورها في عمليات السلام تحت شعار (النساء شريكات في عملية صنع السلام ومستقبل سورية)، منطلقة من الالتزامات الدولية المتمثلة بضمان تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 1325 وجميع القرارات ذات الصلة بالنساء والسلم والأمن، ومنطلقة أيضاً من التزام الحركة النسوية السورية بالمشاركة الفاعلة في العمل الوطني المدني والديمقراطي، ومن أن النساء السوريات شريكات فاعلات في بناء الدولة السورية الحديثة وفق مسار سياسي شامل في المرحلة الانتقالية وما بعدها..

وذلك برؤى متعددة أهمها أن يضمن الدستور والقوانين حماية قانونية لحقوق النساء الإنسانية وفق المواثيق والاتفاقيات الدولية، وحظر التمييز ضد النساء وتجريم العنف ضدهن في الفضاءين العام والأسري، ووضع سياسات عامة وبرامج عدالة اجتماعية حساسة للنوع الاجتماعي.. كل ما تناضل لأجله الحركات النسوية هو حق لا يتعلق فقط بالمرأة بل بالمرأة والرجل والمجتمع بأسره، وبحقها كإنسان وكمواطنة، لكن ما يجب الوقوف عنده هو أين الحركات النسوية السورية؟ هل هي الاتحاد النسائي، الذي يعمل وفق آلية محددة تحتاج إلى إعادة تأهيل وتجديد جذري، كي يستطيع التأقلم مع التغييرات على الأرض؟ هل هو تجمع سوريات الذي يضم عدداً من الجمعيات النسوية غير المرخّصة التي تعمل وفق آلية تعينها للتأقلم مع الواقع؟ أين هي باقي الجمعيات؟ أو أين هي باقي النساء اللواتي يصل عددهن في سورية إلى عشرة ملايين نسمة أو أكثر؟ من يمثل أولئك النسوة اللواتي يعشن تحت ظروف قاسية في أنحاء سورية وخارجها، و في المخيمات أو مراكز اللجوء المؤقتة؟ ما مدى التمثيل للنساء السوريات ومشاركتهن الحقيقية في النزاع القائم وحلّه بطريقة عادلة تضمن حمايتهن فيما بعد أو أثناء النزاع ، وكيف سيتم توثيق ما تريده النساء وإشراكهن، إن لم يكن عن طريق الجمعيات أو المنظمات أو الأحزاب التي تكاد تكون شبه معدومة؟

 للنساء دور كبير يجب عليهن التمسك به، لكن بالمقابل لا بد من الوعي الدولي والوطني والمجتمعي لذلك الدور، الذي يعني الترخيص لمزيد من الجمعيات النسوية، وهذا ما تحتاج إليه سورية بكثرة. فجميع النساء عليها أن تنخرط في الجمعيات والمنظمات التي تمثلها والتي تبتعد عن الخيرية والدينية فتتوجه نحو التنمية والوعي والاشتراك في جميع مناحي الحياة. لن تستطيع المرأة والمجتمع أن يداوي جرحه إن لم يضعوا يدهم على الجرح الحقيقي، إن لم تعترف الدول بأن إشراك النساء في المجتمع والقانون والمفاوضات هو ضمان للسلم الأهلي، فلن يتحقق مهما حاولوا من طرق، وإن لم تشرعن الدساتير القادمة حقوق النساء ضمن بنودها، فإن أطراف النزاع ستقوم بتسويات على حساب النساء، كما هو متعارف عليه بعد كل نزاع أو تسوية حيث يزداد التهميش والإقصاء.. كي تكون الحركة النسوية حقيقية، على الدولة فتح الأبواب أمام الجمعيات التنموية النسوية وتسهيل إجراءات الترخيص والتشجيع عليها، والعمل على دعمها وإشراكها في المفاوضات لتمثّل أكبر عدد ممكن من النساء السوريات في سورية وخارجها..

العدد 1107 - 22/5/2024