قومي يا بنت وشدي العزيمة!

نبدأ حديثنا اليوم عن قذائف الهاون شاغلة بال الناس، التي تركزت ضرباتها في الفترة الأخيرة على مناطق سكنية معينة باعثةً الرعب والخوف في قلوب الناس المطمئنة. وأصبحت حياتنا معلقة برحمة قذيفة الموت، من دون مبالغة، فهي تقتل الناس كل الناس إضافة إلى ما قد تسببه من إعاقات وتشوهات جسدية دائمة. هي كرة من نار في جبهة همجية مفتوحة لا مثيل لها ضمن مناطق مدنية وأغلب ضحاياها منهم. تقتل الشباب بعز شبابهم والأطفال بعز طفولتهم، دون أن تسعفهم دعوات أهاليهم الدائمة بالأمان والسلامة في كل تنقلاتهم. لتذهب كل الأمثال الشعبية مثل: (ما حدا بيموت غير بوقتو) أو ( يلي إلو عمر ما بتقتلو الشدة) هباءً مع الموت، لأن واقع الحرب يقول إن قوة السلاح تقتل بشدة وتقصر العمر أيضاً.

 إن قصة الهاون ماهي إلا غيض من فيض ما يعانيه الناس في الصراع الدائر في سورية منذ ثلاث سنوات. هي قصة حرب تنوعت فيها طرق الموت وأشكاله البشعة. قصة دائرة لا تنتهي من العنف والفوضى والدمار. هي قصة جرح وطن، وهذه ليست عبارة لاستعراض الوطنية، إنما هي عبارة تصف تماماً الواقع السوري اليوم. وطن أثخنت جراحه وجراح أبنائه بما يكفي. طغى السواد على ألوانه والحزن على أفراحه والهم على راحته وهنائه. الكل يفكر ويحضّر ويدبر للقاء الدولي بجنيف (2) لحل المعضلة السورية. لكن يا إخوتي، مادمنا لا ننظر إلى الطرف المقابل لنا إلا كعدو، فلن يكفينا لا جنيف آخر ولا حتى مئة جنيف. أو ليس العدو يكمن في داخلنا نعم في حبنا المتطرف لجهة وحقدنا المتطرف على جهة أخرى، والنتيجة ليست إلا المزيد والمزيد من الضحايا إلى أن ينهي الكبار لعبتهم على أرواحنا. فأن نموت في سبيل الوطن فهذه شهادةٌ وفخرٌ واعتزازٌ، لكن أن يموت شباننا وأطفالنا في سبيل لعبة دولية كبيرة على أرضنا فهذا أصعب من الاحتمال! وأختم بنداء إليك يا بلدي يا غاليتي، وأقتبس من كلمات أنشدت يوم وداع صبية اسمها لين، ابنة الخمسة والعشرين عاماً، قضت منذ أسبوع بعد سقوط قذيفة الهاون على حافلة كانت تستقلها إلى مدرستها حيث كانت تعلم وتقول كلماتها: ( قومي يا بنت وشدي العزيمة، الصيف حامل الفرحة العظيمة، ولو هالدنيي بتنصفك وبتلين وبتمسحلك الدمعات القديمة).

 قومي يا بلدي قومي.. قومي.. آن لكِ أن تقومي!

العدد 1107 - 22/5/2024