طلاب العاصمة بين خيارين أحلاهما مرُّ !

ازدادت في الأيام الأخيرة وتيرة قذائف الهاون التي  تعبر سماء العاصمة من جهات متناثرة وتصب إكسير دمائها السوداء، فتفجر رؤوساً وتخنق أنفاساً وتدمر بسقوطها على أحياء دمشق السكنية ومدارسها مستهدفة الأطفال والمعلمين. بالتزامن مع ذلك انطلقت عبر شبكات التواصل الاجتماعي حملة لإغلاق مدارس العاصمة لئلا يكون الطلاب (دروعاً بشرية) لهذه الحرب، وذلك بعد استهداف الإرهابيين للمدارس واستشهاد وإصابة أعداد من الطلاب ليكونوا ضحايا لألعاب الكبار، بالمقابل هناك من يطالب باستمرار الدوام المدرسي مؤكدين أن الحياة يجب أن تستمر وتمضي، هاتفين: (أوقفوا القذائف عن المدارس.. وليس أوقفوا المدارس).

(أوقفوا مدارس دمشق) حملة تدعو لإيقاف الدوام المدارسي مؤقتاً ريثما يتم إيقاف قذائف الهاون، فالهدف (ليس خلق جيل جاهل بل حماية طلابنا وأطفالنا من غدر هذه القذائف.. فكي لا يخلق جيل جاهل يجب أولاً أن يكون على قيد الحياة!).

وبين إيقاف الدوام المدرسي واستمراره تتباين المواقف وتختلف الطروحات، وقد رصدت (النور) مجموعة من الآراء من خلال شبكة (الفيسبوك) للتواصل الاجتماعي. فحسب فراس (أنا مع توقيف المدارس وتدريج التعليم المنزلي، وبالتالي تستمر الحياة دون فاجعات)، وأضاف: (في الدول الإسكندينافية يتم تعليم الأطفال والتواصل معهم عن طريق الإنترنيت عند سوء الأحوال الجوية، وعندنا نرسل أطفالنا تحت قذائف الهاون حتى لا تعتبرهم وزارة التربية غياباً مع الأسف). لافتاً إلى ضرورة أن ترتقي وزارة التربية بأسلوبها وخططها لتنسجم مع الأوضاع الاستثنائية الراهنة. وهو ما تؤكده الفنانة مي عيسى لافتة إلى ضرورة إيجاد حلول بديلة تتيح لطلابنا التعويض عن ذهابهم إلى المدارس وتعرضهم لخطر الموت الذي بات يلاحقهم أينما وجدوا، واقترحت: (تزويد الطلاب بالمواد الدراسية الكاملة على أن يستكملوا عامهم الدراسي في منازلهم، بمساعدة أهاليهم، وتقديم الامتحانات النصفية والنهائية في المدرسة، وبهذه الطريقة نحفط تقدمهم في المنهاج الدراسي المقر من قبل وزارة التربية) وأردفت تقول: (الوطن ومستقبله يتمثل بأطفالنا، فلا داعي لوجود الوطن أساساً إن لم نستطع أن نحمي من يحمل آفاق المستقبل.. لا نرفض العلم بل نرفض الموت الذي يقف حائلاً من أن نستمر).

ومن جهتها تتساءل الآنسة غنوة عن الناس الذين ماتوا في بيوتهم نتيجة القذائف والسيارات المفخخة وتقول: (هل كانوا بالمدارس أم أنه قدرهم المحتوم)؟ وأردفت: إن (الدعوة لإيقاف المدارس دعوة لإيقاف الحياة المدنية والانصياع لأهداف ملقي القذائف بشلّ الحياة في العاصمة)، فالحل من وجهة نظرها (ليس بإيقاف المدارس في دمشق!!.. بل بإيقاف القتل في سورية!!).

أما السيد ماهر فكان له رأي مخالف قائلاً: (يجب أن لا نستغل أرواح الأطفال للقضايا السياسية، فالأطفال السوريون سواء المحاصرون في الريف أو المستهدفون بالقذائف في المدينة هم من سيبني المستقبل، ولا يجوز الاتجار بهم لمآرب تخدم أطرافاً معينة).

وبين هذا وذلك قضى طلاب عدد من مدارس العاصمة أسبوعهم الماضي في المنزل حتى خلت بعض الصفوف نهائياً من طلابها، ضاربين بعرض الحائط حقوق الأطفال في التعلم وأهمية التعليم وضرورته أثناء الحروب والأزمات، بل ودعمه بكل الوسائل الممكنة والمتاحة باعتباره مسؤولية مشتركة للجميع، مع التأكيد على ضرورة تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للطلبة، وخاصة لطلبة المدارس التي تأثرت بشكل مباشر بقذائف الهاون وتوفير وسائل ترفيهية وتربوية لهم، إضافة إلى عقد ورش عمل لتوعية المعلمين وأولياء الأمور حول كيفية التعامل مع الطلبة أثناء الحرب والأزمات بمشاركة المتخصصين، إضافة إلى توعية الطلبة والأطفال بطرق وأساليب تجنب المخاطر الناجمة عن الحرب وعدم الاقتراب من الأماكن الخطرة، مع الإشارة إلى تدريب الإدارات المدرسية والمعلمين على كيفية التصرف أثناء الأزمات، كطرق إخلاء المدارس على سبيل المثال، فقد شهدت المدارس أثناء تساقط الهاون حالات من الذعر والارتباك، لعدم تدربهم على التعامل مع ظروف كهذه.

ختاماً فإن بلد السلام يبحث عن السلام في زمن استبدل الياسمين بأريجه عطر الدم السوري، فكفانا من قدمنا من شبابنا وشاباتنا قرابين على مذابح الموت المجاني خلال سني الأزمة، ولنعمل جميعاً عل بناء غد مشرق لأطفالنا، وأن ننبذ لغة البندقية إلى لغة الحوار، فالفكر هو الذي يجب أن يسود، والهمجية ولغة السلاح والتهديد والوعيد يجب أن تنتهي.

العدد 1107 - 22/5/2024