لقاء حواري في «ثقافي» جرمانا

أقامت منظمة جرمانا للحزب الشيوعي السوري الموحد، بالتعاون مع المركز الثقافي العربي بجرمانا، لقاءً حوارياً في صالة المركز، وذلك في الساعة الخامسة مساء السبت 28/12/2013. وفي الموعد المحدد، احتشد في صالة المركز عشرات المدعوين من الرفاق والأصدقاء من القوى السياسية والمهتمين، ومن ممثلي المنظمات الفلسطينية في مخيم جرمانا، وحضر اللقاء مدير الثقافة بريف دمشق، ورئيس المركز الثقافي بجرمانا.

افتتح اللقاء بالنشيد الوطني، ووقف الجميع دقيقة صمت إجلالاً لأرواح الشهداء مدنيين وعسكريين. رحب الرفيق ناصر قرموشة، عضو اللجنة المنطقية للحزب في ريف دمشق بالحضور، وأدار النقاش.

وقدم الرفيق عادل الحكيم، أمين اللجنة الفرعية، مدخلاً للنقاش، أشار فيه إلى أن ثورة أكتوبر غيرت وجه التاريخ، وبنت دولة للعمال والفلاحين، ساهمت في استقلال عشرات الدول والشعوب، لكن إنجازاتها لم تخلُ من نواقص وسلبيات، تراكمت تدريجياً وصولاً إلى الانهيار.

وأكد أن الحزب الشيوعي السوري ربط منذ تأسيسه، ربطاً جدلياً في برامجه وسياساته ومواقفه، بين القضية الوطنية والقضية الاقتصادية الاجتماعية والديمقراطية، وقدم الحزب ضحايا في النضال الوطني والطبقي.

ووجه التحية إلى الشيوعيين الأوائل وإلى كل من ساهم في بناء الحزب وتطويره واستمرار نضاله. وتطرق لمواقف الحزب قبل الأزمة وبعد انفجارها في آذار 2011 وصولاً إلى اليوم، إذ يؤكد الحزب أهمية الحوار بين السوريين بوصفه بداية للخروج من نفق الأزمة، ودعا إلى إغناء النقاش واستمرار الحوار.

حجو: النموذج السوري

ثم أعطيت الكلمة للرفيق إسماعيل حجو، عضو هيئة رئاسة اللجنة المركزية للحزب، فشكر الحضور، وشكر منظمة جرمانا لنشاطها ومبادرتها، كما شكر مدير الثقافة في محافظة ريف دمشق ورئيس المركز على تعاونهم مع رفاقنا. ثم قدم التحية لأهالي جرمانا جميعاً، لاحتضانهم الكثير من أبناء سورية المهجّرين وتقاسمهم معهم لقمة العيش والخدمات، وهذا هو النموذج السوري. وقال:لا أبالغ إذا قلت إن جرمانا الآن هي أكبر تجمع سكاني في مساحة محدودة، ليس في سورية بل قد تكون في العالم، لأن الأرقام تشير إلى أكثر من مليون قاطن بالحد الأدنى. وليس جديداً على أهل جرمانا كرمهم وضيافتهم فقبل الأحداث كانوا يحتضنون الكثير من العرب من الفلسطينيين والعراقيين والمغاربة، وتمنى أن يكون الحوار شفافاً وبناءً وصريحاً. ثم ألقى كلمة مكتوبة جاء فيها:

استمعنا من الرفاق عن ذكرى مناسبتين هامتين وغاليتين على قلوبنا كشيوعيين، وعلى قلوب كل الوطنيين والتقدميين الشرفاء في وطننا الحبيب.

وإننا في الحزب الشيوعي السوري الموحد نعتز بتاريخ حزبنا، لأننا قدمنا الكثير لما فيه خير شعبنا وأمتنا، وفي جميع المعارك التي خاضها شعبنا. ماضي حزبنا مشرّف، فيه الكثير من الإنجازات والنجاحات، ولكننا لا نعتاش على الماضي وحده، فنحن حزب يؤمن بالتجديد والتطوير.. ولا أبالغ إذا قلت إننا أول حزب في الساحة السورية، توقف عند أخطائه بكل ثقة وشفافية، من المؤتمر الثالث إلى السادس إلى المؤتمر السابع الموحد، إلى المؤتمر الحادي عشر.

اجتهدنا فأصبنا وأخطأنا، ولولا هذه المحطات الهامة المرتكزة على أيديولوجيا ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى وفكرها وإشعاعاتها، وعلى نضالات شعبنا العظيم والتجارب الإنسانية، لأضعنا البوصلة والهدف، خاصة أن بلادنا تمر بأخطر مرحلة ومواجهة، تهدد مصيرها وكيانها، من أعتى وأقوى القوى الإمبريالية والصهيونية الرجعية في المنطقة، إضافة إلى فكر ظلامي تكفيري يعيش خارج إطار العصر والمنطق. وفي هذا الإطار تحمّل حزبنا مسؤوليته التاريخية. وتوقف جدياً أمام الأحداث وتطوراتها الجارية في بلادنا. وأدرك منذ البداية أن المعركة معركة وطن ومصير، وهي أكبر من الأشخاص والأحزاب، وحتى الأنظمة، لذلك حلل وبادر وتعاون من أجل الخروج من الأزمة بأقل الخسائر والحفاظ على كيان سورية دولة ووطناً.

وفي أواخر السنة الثالثة من الأزمة، نرى من الواجب علينا تقديم جردة حساب لشعبنا عن مواقفنا وتحليلاتنا للأزمة وسبل الخروج منها.

في العدد الأخير من صحيفة (النور) التي يصدرها حزبنا، تقرير شامل صادر عن قيادة الحزب يبين مواقف الحزب وتحليلاته للأزمة ودوره والمهام.

واستكمالاً لهذه الجردة نعود لبداية الأحداث، فقد ذكرنا أن الحل سياسي، وذلك يتطلب تدابير:

1- وقف العنف وسفك الدماء من أي جهة كانت، ومعاقبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة.

2- إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، خاصة على خلفية الأحداث الأخيرة، باستثناء المسؤولين عن الأعمال التخريبية والمسلحة.

3- السماح بحرية التظاهر.

4- الإسراع بإصدار القوانين الإصلاحية المطلوبة، وخاصة قوانين الأحزاب والانتخابات والإعلام.

5- إدانة جميع أشكال التآمر والتدخل الخارجي والأعمال الإرهابية المسلحة.

كما أكدنا منذ بداية الأحداث أن أسلوب الحوار بين جميع الأطراف، هو الوسيلة الوحيدة التي تتيح التوصل إلى خروج آمن وسليم من الأزمة.

وفي اللقاء التشاوري (2011) قدم ممثلو حزبنا عدة مداخلات، شكلت بمجملها تصوراً متكاملاً للأزمة بمختلف جوانبها السياسية والديمقراطية والاقتصادية والاجتماعية وسبل الخروج منها.

وبعد اللقاء التشاوري ورفض المعارضة للحوار وعدم تطبيق التوصيات قلنا: مؤسف ومؤلم القول إن الأزمة قد دخلت في مأزق صعب ومعقد وخطر جداً.

* صعب: بسبب تمترس كل من أطراف الأزمة بموقفه ورفع شعارات التخوين والتكفير من قبل كل الأطراف تجاه الأطراف الأخرى.

* معقد: بسبب تنوع واختلاف المواقف داخل كل طرف من أطرافها.

* خطر: لأن النتائج يمكن أن تكون كارثية على وحدة الوطن واستقلاله ومستقبله في حال استمرار الأحوال على ما هي عليه.

لماذا قلنا ذلك؟

1- خرجت الاختلافات في حزب البعث والنظام عموماً إلى العلن منذ انعقاد اللقاء التشاوري، وكان واضحاً أن الاتجاه المحافظ يعمل على فرض طريقته لمعالجة الأزمة:

* بتغليب الأساليب الأمنية في التعامل مع الأوضاع (منع التظاهر السلمي – حملة اعتقالات).

* وإقامة مسيرات حاشدة تأييداً للنظام.

2- في المقابل:

* اتسعت المظاهرات في البلدان والمدن وشملت أوساطاً جديدة يغلب على شعاراتها شعار إسقاط النظام.

* رفض المعارضة أي شكل من أشكال الحوار.

* تصاعد الأعمال التخريبية والمسلحة.

* تصعيد الحملة المطالبة بالتدخل الخارجي.

* استمرار القصف الإعلامي المنقطع النظير الذي تشنه عشرات الفضائيات التحريضية والطائفية باستخدام أحدث وسائل الاتصالات في العالم، في مقابل إعلام محلي ضعيف يفتقد الموضوعية والحرفية في أدائه.

وقلنا آنذاك:

* من المؤكد أن هذه اللوحة ليست ثابتة بل ينبغي النظر إليها في حركتها وتبدّلها وتطورها يوماً بعد يوم، وأكدنا أمرين:

1. لم يعد بالإمكان عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الخامس عشر من آذار عام 2011.

2. ليس بإمكان أي من أطراف المعادلة تحقيق انتصار حاسم.

*  ولأننا كنا دائماً نقول بأن تدعيم الموقف السوري للتصدي للمؤامرات الإمبريالية والصهيونية ودعمه للمقاومة والقضية الفلسطينية يتطلب تلبية حاجات الديمقراطية والاقتصادية والاجتماعية للجماهير الشعبية، جاء تحليلنا للازمة مرتبطاً بهذه المواقف حتى قبل الأزمة، وقلنا إن الأزمة عميقة ومتعددة الجوانب، جوهرها: التناقض بين الصيغة السياسية التي تدار بها البلاد منذ عقود، وبين متطلبات الديمقراطية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يحتاج إليها المجتمع السوري.

وأوضحنا ذلك بأن احتكار السلطة، والوصاية على الحركة الشعبية ومنظماتها أدّيا إلى ترهل بيروقراطي وفساد في آلية الدولة، وبالتالي فشل برامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي.

وقلنا إن القوى الإمبريالية والمعادية استغلت هذا الخلل الداخلي كي ترفع من وتيرة تآمرها على سورية.

وأكدنا أن حزبنا ليس محايداً في كل ما يجري، وموقفنا واضح، سواء لناحية البديل المطلوب أم لجهة الوسائل المطلوبة والممكنة لبلوغ الهدف.

 وذلك باعتماد حلول سياسية ومتابعة عملية الإصلاح الحقيقي والحوار المخلص والبنّاء بين جميع القوى الوطنية الشريفة، وإرساء عقد اجتماعي جديد يضمن قيام دولة ديمقراطية مدنية علمانية.

إن دماء المدنيين والعسكريين وعشرات آلاف الجرحى، وآلام المعتقلين والمدنيين المنكوبين ومعاناتهم والخسائر الوطنية الجسيمة ينبغي أن لا تذهب هدراً، بل يجب أن تكون حافزاً يدفع كل من تعز عليه وطنيته وإنسانيته، مهما كانت أفكاره وآراؤه واتجاهه، إلى التفكير العميق والعمل بشعور عال من المسؤولية من أجل الانتقال بالوطن إلى مرحلة جديدة ترتفع في سمائه رايات الحرية والديمقراطية والرفاه والتقدم والعدالة الاجتماعية.

بعد ذلك قدم بعض الحضور من ممثلي الأحزاب والمنظمات والمستقلين مداخلات، أشاد فيها البعض بالحزب ودوره في الأزمة، ونشاط منظمة جرمانا، وضرورة الحوار بين السوريين كمدخل لحل الأزمة، وتساءل البعض: لماذا لم يستلم أي حزب شيوعي في الوطن العربي الحكم، علماً أنها أحزاب قديمة وفاعلة وجماهيرية؟ كما طرح آخرون أسئلة عن الليبرالية الاقتصادية وارتباطها بالديمقراطية، وعن دور البرجوازية في الديمقراطية، وحول ضعف الوعي الإيديولوجي، ودعا البعض إلى إعطاء الأحزاب دوراً أكبر لتشارك الحكومة في خططها ومشاريعها، وأن يعمل الجميع لأجل المصالحة الوطنية..

وبعد الإجابة عن بعض الأسئلة والحوار، انتهى اللقاء بالتعبير عن رغبة الكثير من الحضور في الاستمرار بعقد مثل هذه اللقاءات وتفعيل الحوار.

العدد 1107 - 22/5/2024