أدوار المرأة ما بين العدل والمساواة

لطالما كانت المرأة موضع نقاش وسجال، وإقرار أدوارها المختلفة (الاجتماعيّة والإنجابيّة والاقتصادية والثقافيّة بل والسياسيّة) شغل تفكير الكثيرين منذ أقدم العصور.. وفي يومنا هذا لا تزال قضيتها تشكلُ مسرحاً يفيض بالآراء لدى الكثيرين خصوصاً في ظل ثورة المعلومات التي أخرجت الأنثى من نطاق بيتها.. وقد سارت بعض المجتمعات في طريقها إلى المساواة ما بين الجنسين، لكن بقي السؤال قائماً : هل أدّى ذلك إلى مزيدٍ من الاستقرار في مجتمعاتهم؟! فاليوم كثير من شاباتنا تقعن في صراع داخليّ نتيجة تأثرهن بالأفكار التي تصدّرها إلينا وسائل الإعلام الحديثة.. وتناقض ما تعيشه في مجتمعها وما يفرضه عليها من التزاماتٍ أو قيود.. ويبقى التساؤل مطروحاً: هل تكون فكرة المرأة الغربية كنموذج مُشتهى هو أمر جيّد أم مثير للمخاوف؟ وهل واقع المرأة حاليّاً هو أفضل حالاً؟

من هنا قامت (النور) بتحقيقٍ حول هذا الأمر المثير للجدل، وقد أظهرت الأسئلة الكثيرة التي طُرحت التباين الكبير الذي تعيشه المرأة العربيّة وعدم تبلور فكرتها المستقلة حول ذاتها، وكانت البدايةُ مع سؤال كثُر الحديث عنه في الآونة الأخيرة..

أعدلٌ ما يجب أن يتحقق أم مساواة؟

من المعروف أن العدل ما بين الرجل والمرأة يختلف عن المساواة فيما بينهما، ففي العدل يُعطى كل جنس حقه في ممارسة ما هو قادرٌ عليه دون أن يتكلّف بمهامٍ تُعتبر أنها تفوق استطاعته، أما في المساواة فتحقق تكافؤ الفرص والمهام بينهما من دون أي تمييز.. وقد قالت ربيعة، (وهي مدرّسة لمادة الفلسفة) في ذلك: (إنها مع العدل بين الرجل والمرأة، ولكن ذلك لا يعني حصر حياة المرأة ضمن أعمالها البيتيّة والزوجية، بل ترتيب الأولويات وتحقيق التوازن وتنظيم وقتها، فمن غير المعقول أن تعمل المرأة في المناجم أو في أعمال البناء، وكذلك فإن بقاء الرجل في منزله للعناية بالأولاد هو أمر يتنافى مع طبيعته البدنيّة، وفي الوقت نفسه شجّعت المرأة على العمل خارجاً مع وضع العناية بأطفالها وبيتها من أولى الأمور لديها، وأن عملها يساعد على تنظيم حياتها وأولادها). وقد قالت: (الأمر لا يتعلق بالساعات التي نقضيها مع أبنائنا بل بنوعيّة ما نقدمه لهم. وتحدثت أن هنالك تطوراً في تقبّل فكرة عمل المرأة في مجتمعنا بسبب ما فرضه الوضع الاجتماعيّ والاقتصاديّ ومن الإجحاف اعتبار عمل المرأة خارجٌ عن قدرتها..).

ولكن كيف يفهم الكثير في المجتمع هذا المصطلح الذي يستوعب تأويلات عديدة، فمن المعروف أن هنالك العديد ممن يعتبرون أن هذا التكامل يعني أن تتخذ المرأة من البيت مقرّاً لها، والرجل مكانه في الخارج ليعمل، فتكون النتيجة أن تخبو نشاطات المرأة وبالتالي نصف المجتمع!!

وقد أخذنا بعض الآراء من كلا الجنسين ، فقد رأى حيان أنه (يجب أن تمتلك المرأة شهادةً جامعيّة أو صنعةً ما في يدها كي تواجه تحديّات القدر، وكي لا تكون عالة على المجتمع.. وفي حال عدم اضطرارها للعمل فيجب أن تجعل منزلها والعناية بأطفالها من أول أولويّاتها، فأهمية الاستقرار المعنوي لا يقل أهميّةً عن الاستقرار الماديّ، وهو يتعلق ببناء جيل بأكمله يجب عدم إهماله..).

فيما قالت أسماء: (يجب أن تعمل المرأة وتخصص جزءاً من وقتها لمجالات أخرى غير منزلها، كي يتحقق التوازن في المجتمع ولا يُلغى دور المرأة في الأمور الحيوية والاقتصادية في المجتمع، ويعتاد الناس على هذا النأي بالنفس حتى لا تغدو آراءها وأعمالها مُستهجنة أو مُستهاناً بها، ولكي تكثر الأيدي العاملة وبالتالي بناء الوطن وتحقيق التقدم، وهذا يتطلب نظرة أكثر موضوعيّة وحيادية لفكرة الرجولة، بحيث تكون خالية من الحماس والعواطف.. ففي حال عملت المرأة خارجاً فلا بأس أن يساعد الرجل في بعض الأعمال المنزليّة والعناية بالأطفال، وألا يعتبر ذلك (انتقاصاً لرجولته) وهذا هو التكامل الحقيقيّ برأيي الذي يتجسد بالتعاون والتفهم..).

 وقالت زينب: (إن المساواة هي ما يجب أن يصل إليه أي مجتمع، من مبدأ كلٌّ مسؤول عن قراره)، وأردفت: من غير المعقول أن ننظم حياة كل شخص!! كل امرأة تدرك كيف تريد لحياتها أن تسير، فقد ترغب ألا تنجب أولاداً وأن تتفرغ لتكون في مركزٍ سياسيّ تمارس فيه دورها كما يفعل الرجل، أو قد تأتي امرأة أخرى وترغب في إنشاء منزلٍ والبقاء مع أطفالها، وقد تفضّل بعضهن أن يحققن توازناً ما بين عملهن وعائلتهن.. فليس هنالك قانون يجب أن يُفرض، ولكن جوهر الحديث أنه عندما تريد المرأة القيام بشيء ما فلا يتوجب أن يقف بطريقها عائق يتمثّل في الدرجة الأولى بكونها أنثى..). وهنا سألتها: هل يجبُ حينذاك، بموجب هذه المساواة، أن تُلزم المرأة بخدمة العَلَم كالرجل؟ فأجابت: (هنالك أمور من البديهيّ أنها غير منطقية بحيث لا يجوز إجبارها ويجب كذلك عدم منعها إن هي رغبت بذلك!! وأنا أتحدث عن المساواة في حريّة اتخاذ قراراتها.. لا عن إجبارها بما يصعُب عليها، وهنا يمكن الاعتماد على الخدمة العسكرية الإدارية..).

إن ذلك الضعف في مشاركةِ المرأة في العديد من مجالات الحياة أثار تساؤلاتٍ عن أسبابه وعن كيفيّة معالجته، فالبعضُ اعتبرَ أنّ تمحور التفكير بالمرأة على أنها رمزٌ جنسيّ في مجتمعنا الشرقيّ المكبوت يشكل هاجساً لدى معظم الأهالي، وإنه مع الزمن تطور ليصنع مفاهيم تزيد من القيود والتخوفات ك (الشرف والعِرض) لتصبح ملك غيرها وقراراتها محصورةٌ بإرادة من ينتسب له (شرفها) ويعدّها (عِرضه) لأنها تمثله وتمثل صورته في المجتمع بل وتشكل كرامته!

وهذا أيضاً يشكل عائقاً قوياً في مفهوم المساواة.. والعدالة ما بين النساء والرجال، ولهذا بحث آخر سنعمل على الخوض فيه..

العدد 1107 - 22/5/2024