جنيف 2 في مرآة الصحافة العالمية

مع إسدال الستار على جلسات جنيف ،2 بين الحكومة السورية وبعض ممثلي معارضة الخارج، قد يكون من الضروري أن نسلّط الضوء على كيف تعامل الإعلام العالمي مع هذا الحدث، والنتائج التي توصّل إليها، والأحكام القاطعة التي أصدرها، والتي أراد من خلالها تحقيق ثلاثة أهداف:

الأول- توجّيه المفاوضات باتجاه محدد.

الثاني- فرض صورة معيّنة على الرأي العام في بلاده بطريقة غير مباشرة.

الثالث- تأجيج نار الصراع الذي يجري على الأرض السورية، ودفع الأمور نحو حائط مسدود.

ونبدأ بهيئة الإذاعة البريطانية (البي. بي. سي) التي نقلت مقتطفات من ردود فعل الصحافة العالمية والعربية على مؤتمر جنيف،2 التي أجمعت أن حل الأزمة السورية (معادلة) والتوصل إلى نتيجة من خلال مؤتمر جنيف (صعب)، ومن يستطيع الخروج بصيغة مرضية لأطراف النزاع في سورية، يستحق جائزة نوبل.

هذه (المعادلة المعقدة) وضعها وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري، بعد أن فرض الإيقاع على وفود مجموعة العمل حول سورية وحدده، بحيث لا يستطيعون تجاوزه أو تجاهله. وكان فحوى هذه المعادلة أن الخير والسلام سيعُّم الأراضي السورية فور مغادرة الرئيس السوري لمكتبه في رئاسة الجمهورية.

على هذه النقطة ركّزت الصحف البريطانية، وحاولت تحميل الحكومة السورية مسؤولية جميع الأحداث التي جرت في الأعوام الثلاثة المنصرمة. فأشارت صحيفة (الفايننشال تايمز) البريطانية إلى الخلافات الحادة حول مستقبل الرئيس بشار الأسد في مؤتمر مونترو، الذي يهدف لإنهاء الصراع السوري المستمر منذ ثلاثة سنوات.

وركزت على رفض الزعماء الغربيين وممثلين من المعارضة السورية أي دور للرئيس السوري في مستقبل سورية، والجهود التي يبذلونها ولا سيما واشنطن التي لا تكّل ولا تمّل في محاولة إيجاد أرضية مشتركة مع موسكو، تسمح للعملية السياسية في سورية بالمضي قدماً.

ولم تخرج شقيقتها (الغارديان) عن هذا الخط، حين جزمت بفشل المؤتمر في كسر جمود الأزمة السورية، بسبب ما أسمته (الحرب الكلامية) التي نشبت بين الوفود المشاركة حول المستقبل السياسي للرئيس الأسد، محمّلة في الوقت نفسه وفد الحكومة السورية مسؤولية هذا الفشل، بسبب إصراره على عدم تنحي الرئيس الأسد من منصبه ووصفها لحركات المعارضة المدعومة من الغرب، والتي تقاتل للإطاحة به، بالإرهابيين والخونة.

أما صحيفة (التايمز) فحاولت أن تكون موضوعية، وألمحت بطريقة غير مباشرة إلى دور المجموعات المسلحة في الأزمة الإنسانية في سورية. فتحت عنوان (تضميد جراح سورية) قالت الصحيفة: (من غير المرجح أن يجلب مؤتمر جنيف السلام، ولكن يمكن الوصول إلى حل جزئي)، وقالت: (بينما يجتمع المجتمع الدولي للحديث عن السلام في مونترو بسويسرا، انهمرت مدافع الهاون على ضواحي حلب وحمص).

وأضافت الصحيفة وفقاً لما ورد بهيئة الإذاعة البريطانية ال (بي بي سي) أن (سورية دولة لا تعيش في سلام، وعلى الرغم من أن محادثات مونترو جمعت الأطراف المختلفة في النزاع، فإنها لن تغير الوضع المأسوي على الأرض في المستقبل القريب).  وقالت: (إنه يقع على عاتق الوفود المشاركة في القمة إثبات أن حياة السوريين يمكن أن تتحسن عن طريق الجهود الدبلوماسية).

وعلى الخطا نفسها سارت صحيفة (لوموند) الفرنسية، فقد حملّت الحكومة والمعارضة القدر نفسه من المسؤولية عما يحدث في سورية، قائلة: (إن الجانبين، سواء نظام الرئيس السوري بشار الأسد أو المعارضة التي يجسدها الائتلاف الوطني السوري لم يعلنا عن هدنة في سياق المؤتمر (جنيف 2)، في الوقت الذي ترفض فيه المجموعات الإسلامية والجهادية (القوية)، وكذلك المجلس الوطني السوري، الاعتراف بعملية (جنيف 2)، ويعتبرونها (خيانة).

واعتبرت (لوموند) أن كل هذه العوامل تجعل من الصعب تطبيق التدابير السياسية أو حتى الإنسانية التي يجب اتخاذها في جنيف.

أما صحيفة (الوطن) السعودية فقد طرحت سؤالاً في غاية الأهمية: (والسؤال الذي يجب أن يوجه إلى دمشق وحلفائها في المؤتمر هو: من الذي بدأ الأزمة في سورية؟ ومتى دخلت الجماعات الإرهابية على الخط؟ ألم يكن من المتاح للأسد ونظامه احتواء ما يجري والاستماع إلى حكمة من ناصحوه في تلك الفترة؟). ويبدو أن الصحيفة السعودية نسيت أن سمو الأمير فيصل قد خاطب الجربا ب(فخامة الرئيس) في المؤتمر، دون مشورة أحد، وتجاهلت أيضاً أعداد القتلى السعوديين المتزايدة في سورية، التي لا يمكن أن تكون دخلت إلى سورية من دون موافقة ضمنية من حكومة آل سعود. فإن تمكنت الصحيفة السعودية من الخروج بتحليل منطقي من الحدثين السابقين ستتمكن بالتأكيد من الإجابة عن الأسئلة التي طرحتها.

واهتمت صحيفة (لوس أنجلوس تايمز) بمفاوضات السلام التي يشهدها مؤتمر جنيف ،2 المتعلق بحل الأزمة الداخلية بسورية، فأكدت أن ذلك المؤتمر سيحدد مصير الرئيس السوري بشار الأسد، مشيرة إلى أن نسبة قليلة من المتابعين تتوقع أن يصل هذا الاجتماع إلى حل للأزمة المستمرة منذ ما يقرب من ثلاث سنوات.

وقالت الصحيفة الأمريكية في تقرير نشرته على موقعها الإلكتروني، إن الإدارة الأمريكية لا تزال ترى أن تنحي الأسد عن السلطة هو شرط أساسي لأي اتفاق من شأنه أن ينهي الصراع الداخلي السوري، مؤكدة أن تلك السياسة قد أتت بنتائج عكسية على واشنطن، وأطالت أمد الصراع القائم في سورية.

ونوهت الصحيفة بدور دمشق وحلفائها في موسكو الذين أبدوا مرونة كبيرة لوضع نهاية للصراع الدموي بسورية في أكثر من مناسبة، ومنها وقف إطلاق النار، وتسليم الأسلحة الكيميائية السامة التي تمتلكها الحكومة السورية، إلا أن الصحيفة أشارت إلى أن  دمشق ترفض حتى التفاوض فيما يخص مصير الأسد مستقبلاً.

هذه المرونة وضحها بشكل جلي وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، حين قال: (أنّ الغاية الأساسية من عقد (جنيف 2) هي إيقاف العنف وليست مناقشة مسألة رحيل الرئيس بشار الأسد). وأضاف، عقب اختتام قمة (روسيا – الاتحاد الأوربي): (نحن نعلن أنه لا يجوز التركيز على المطالب المبسطة، فمن السهل القول إن على الأسد الرحيل وسيستقر بذلك الوضع، ولكن نذكر ما حصل في يوغوسلافيا، حيث طالب الجميع برحيل ميلوشيفيتش، كما شاهدنا ما حصل في العراق والطريقة المماثلة إزاء صدام حسين، وكانت هناك ليبيا والقذافي، لقد رأينا إلى ماذا قادت كل هذه الأمور). وحذر الوزير الروسي من أنّه (اليوم نواجه إصراراً على فكرة مماثلة لتغيير النظام في سورية، لأن أحداً ما يكره الأسد شخصياً، ولكن هذا ليس تصرفاً لأشخاص بالغين).

وحتى تتجاوز بعض الأنظمة العربية مرحلة المراهقة السياسية، وينضج بعض سياسيي الغرب فكرياً وأخلاقياً، ندعو الله أن ينير درب السوريين وأن يقدموا مصلحة الوطن على مصالحهم الشخصية، وأن تكون عيونهم وقلوبهم متجهة صوب دمشق لا صوب من يملأ جيوبهم بالنقود، فتعمى عيونهم عن رؤية الواقع وتُصم أذانهم عن سماع الحقيقة، ويصبحون عبيداً في حضرة السلطان أو سمو الأمير أو جلالة الملك… ويحركهم جميعاً سعادة السفير السابق القادم من واشنطن.

العدد 1104 - 24/4/2024