المبادرة الرئاسية جهود مكثفة في الداخل… حوار لا حوار في الخارج!

بدأت مفاعيل المبادرة الرئاسية لحل الأزمة السورية بالطرق السلمية تظهر على الأصعدة الداخلية والإقليمية والدولية، متضمنة سلوكين مختلفين للمعارضة السورية.

فعلى الصعيد الداخلي تكثفت الجهود الحكومية لتذليل الصعوبات أمام عقد الحوار الوطني الشامل، وبضمن ذلك تسهيل قدوم المعارضين الخارجيين الراغبين في المشاركة، وإلغاء الموانع القانونية والإدارية التي تعيق مشاركتهم. وتجري اللجنة الحكومية مشاورات مع القوى والأحزاب السياسية لاستطلاع آرائها واقتراحاتها حول السبل الآيلة إلى إنجاح هذه الندوة الوطنية المرتقبة.

وتباينت ردود المعارضة الداخلية والخارجية حول الدعوة الرئاسية، فقد تمسكت هيئة التنسيق بلاءاتها المعروفة (لا للعنف، لا للطائفية، لا للتدخل الخارجي)، وطرحت تصوراتها لحل الأزمة الذي لا يمكن أن يكون حسب ما جاء في لقاء جنيف الذي ضم إضافة إلى أعضائها نخباً سياسية وفكرية معارضة.. إلا حلاً يستند إلى الحوار الديمقراطي.. كذلك جاءت مواقف بعض الأحزاب السورية المعارضة، مؤكدة أهمية المبادرة الرئاسية وضرورة توسيع مشاركة القوى السياسية والاجتماعية في الداخل والخارج في الحوار الوطني العتيد.

أما المعارضة الخارجية المنضوية تحت (الائتلاف)، فقد راعها أن يعلن رئيسها استعداده للحوار مع النظام.. هذا الاستعداد الذي تراجع عنه بعد ساعات تحت ضغط أمريكي أوربي تركي. ورغم قبول (الخطيب) لدعوة روسية لزيارة موسكو، إلا أن تصريحاته بعد لقائه نائب الرئيس الأمريكي في ميويخ بأن الحوار الوحيد مع السلطة السورية يتركز فقط حول رحيلها، ومطالبته بمساعدة أمريكية ليحيد الطيران السوري، يؤكد خضوعه لتأنيب المتشددين من شركائه في (المجلس) الذين مازالوا يطالبون شركاءهم الدوليين بتوريد السلاح.

العثمانيون الجدد أعلنوا ، على لسان وزير خارجيتهم، في جنيف عدم جدوى الحوار الوطني بين السوريين، ويعد ذلك دعوة صريحة لقوى المعارضة الداخلية والخارجية إلى التمسك بالحل العسكري، والاستمرار في التصعيد الإرهابي الممنهج.

ورغم التعتيم على تفاصيل اللقاء الروسي الأمريكي في ميونيخ، إلا أن مؤشرات عدة جزمت باستمرار التباين بين الدولتين حول سبل حل المسألة السورية. ففي حين أكدت روسيا حق الشعب السوري في اختيار نظامه السياسي دون تدخل خارجي، اجترّت الولايات المتحدة مواقفها السابقة بعدم جدوى بقاء القيادة السورية.

الجديد في السلوك الذي تمارسه الأطراف الخارجية هو الإعلان عن الدور الإسرائيلي، بعد أن كان متلطياً حلف التحالف الدولي المعادي لسورية.. فقد جاءت الغارة الإسرائيلية على (جمرايا) لتضع إسرائيل كطرف ممانع لأي حل سياسي للأزمة السورية، ولاعب مكشوف في تغذية وتشجيع العنف والإرهاب ، الذي يهدد السوريين، والذي تمارسه منذ قيامها ككيان عنصري استيطاني.

ومع الأخذ بالحسبان أهمية العامل الخارجي، فإن السوريين يكثفون الجهود من أجل عقد الحوار الوطني. ونرى أهمية استثمار مواقف قوى المعارضة الوطنية الداعمة لهذا الحوار، والإنصات إلى اقتراحاتها كطرف فاعل في التوصل إلى إنهاء سياسي للأزمة السورية، واختصار الآلام التي تعانيها فئات الشعب السوري المختلفة، والدمار والتخريب والنزيف الذي يطول هياكل الاقتصاد الوطني والبنية التحتية.

التفاؤل الذي أشاعته المبادرة الرئاسية السلمية، حقيقة يتلمسها السوريون على أرض الواقع، لكن بذل الجهود كي يشمل الحوار الوطني جميع أطياف المجتمع السياسية والاجتماعية والمعارضة الوطنية، والعمل لتقريب المواقف، هو العامل الرئيسي في تحول هذا التفاؤل إلى حل نهائي سلمي.. واقعي، يضمن صمود سورية، وثبات سياستها الوطنية، ويعيد إلى شعبها الصابر المكافح استقراره السياسي والمجتمعي، ويفتح الآفاق أمام مستقبلها الديمقراطي العلماني المرتجى.

العدد 1105 - 01/5/2024