في خصوصية زيارة الملك عبدالله إلى واشنطن وتبعاتها

لأسباب عديدة، ينظر باهتمام إلى زيارة الملك الأردني عبدالله الثاني إلى الولايات المتحدة، ولقائه الرئيس باراك أوباما مطلع الأسبوع الجاري، بدءاً من الأوضاع الداخلية الأردنية، على اختلافها وتنوعها، إلى تبعات المتغيرات التي أفرزتها السنوات الأخيرة في المنطقة العربية، مروراً بكيفية التعاطي الأمريكي و(الغربي) عموماً مع ما يجري في المنطقة وتداعياتها على العلاقة مع الأردن أيضاً.

فالقمة الأمريكية – الأردنية تأتي بعد طرح جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي، وخاصة في جولتيه الأخيرتين، على الجانب الفلسطيني، مشروع (اتفاق الإطار)، والموقف الفلسطيني الرافض له من جهة، الذي أعقبه زيارة سريعة لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو إلى عمان، ومناقشته هذا المشروع مع الملك عبدالله من جهة أخرى، نظراً لما يمثله الأردن من وضعية خاصة مؤثرة في أي اتفاق – فلسطيني – إسرائيلي حالياً أو مستقبلاً.

إذ يشكل الأردن حالة فريدة، نظاماً وشعباً، مقارنة بالدول العربية الأخرى، بسبب من تركيبته الديمغرافية أولاً، وبسبب من موقعه الجيوسياسي الهام، وطول الحدود بينه وبين إسرائيل، وبضمنها الضفة الغربية، والهدوء الذي سادها منذ عام 1970 (عام خروج المقاومة الفلسطينية من الأردن) ثانياً، وعلاقاته التاريخية مع بريطانيا، ثم الولايات المتحدة و(الغرب) عموماً ثالثاً.. فضلاً عن دوره السياسي والإقليمي، خاصة الذي مارسه منذ إقامة المملكة الأردنية الهاشمية.. ويعاني الأردن راهناً صعوبات وتعقيدات هذا الموقع الجغرافي، بسبب من إشكاليات العراق بعيد احتلاله أمريكياً عام 2003 وتداعياته، وحدوده المشتركة مع سورية التي تعاني أزمة منذ قرابة ثلاث سنوات، وتبعات (ثورات الخريف العربي) وامتداداتها على جواره أولاً وعلى الأردن ثانياً.

إذ يقيم في الأردن حالياً نحو 300 ألف لاجئ عراقي، ونحو 600 ألف لاجئ سوري، ويشكل الفلسطينيون أكثر من نصف سكانه (أكثر من مليوني نسمة وفق سجلات الأونروا، وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين)، إضافة إلى أقليات أخرى كالشركس والشيشان وغيرهم، والتمازج القبائلي الذي يجمع الأردن مع دول الجوار جميعها.

وبسبب من موقعه الجغرافي، وتركيبته الديمغرافية، وطبيعة نظامه، تداخلت القضية الفلسطينية وتطوراتها مع الأوضاع الداخلية الأردنية من جهة، وطبيعة علاقاته وسياسته من جهة ثانية، رغم إعلان الملك حسين (أو اضطراره) نهاية عام 1978 إلى فك الارتباط التاريخي مع الضفة الغربية، التي يحمل سكانها جوار السفر الأردني.

وينظر بخصوصية أيضاً إلى قوة حركة الإخوان المسلمين وتأثيرها في الأردن، وذراعها السياسي (جبهة العمل الإسلامي) الذي ازداد نفوذاً وتطلعاً، بعيد استلام شقيقاتها السلطة في مصر وتونس، وتجربتهما المأزومة في كل من هذين البلدين. ورغم انتهازية الحركة تاريخياً في تعاطيها مع الشأن الداخلي الأردني، وكذلك مع علاقاته وتحالفاته الإقليمية والدولية، فإن تعاطي الحركة قد اختلف ما بعد (ثورات الخريف العربي) وانعكاساته. كما يعاني الأردن نقصاً في موارده الطبيعية، وافتقاره إلى ركائز اقتصادية، واعتماده شبه الكامل على المساعدات العربية والدولية، وانعكاسات ذلك على توجهه الخارجي.

وتزداد الأمور تعقيداً مع بدء تعامل إدارة الرئيس أوباما ووزارة خارجيته مع المنطقة لجهة (تهدئتها) وليس حل إشكالياتها، وفقاً للحاجة الاضطرارية الأمريكية، وتماهي سياسات الأردن مع هذا التوجه الأمريكي الذي ازداد وضوحاً بعيد جولات كيري المكثفة إلى المنطقة، ومحاولاته (تهدئة) الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي أولاً بعد طرحه مشروع (اتفاق الإطار) على الجانب الفلسطيني، وانعكاساته المباشرة على الأردنيين الذين ارتبطوا بوشائج متعددة مع الفلسطينيين في الأردن أو في الضفة الغربية نفسها.

وفي ظل هذه اللوحة الأردنية المعقدة، التي تزداد حراجة مع طرح مشروع (اتفاق الإطار)، والموقف الأردني منه، بوصفه أحد ركائز تمريره أو إفشاله (يشارك الأردن وفقاً للرؤية الأمريكية القديمة- الجديدة في اللجنة الخماسية المعنية ب(الحوض المقدس) الذي يضم المسجد الأقصى وحائط البراق في القدس الشرقية). كذلك موقعه وفق (اتفاق الإطار) هذا على صعيد الحدود والمعابر المفترضة بين الأردن والدولة الفلسطينية المقبلة واستحقاقاتها، فضلاً عن موضوعة اللاجئين، ومقترح توطين القسم الأساسي منهم في أماكن وجودهم، ومنحهم التعويض بدلاً من حق العودة، ذلك أن القسم الأعظم منهم يعيش في الأردن، أو يحمل الجنسية الأردنية، إضافة إلى الموقف السلبي الأردني من الأزمة السورية، واستخدامه مرتكزاً أساسياً للدعم اللوجستي الهام للمجموعات الإرهابية المسلحة السورية والأجنبية، بالتوازي مع الموقف السلبي التركي.

وفي هذا السياق ينظر باهتمام خاص إلى زيارة الملك عبدالله إلى واشنطن، في ظل هذه التعقيدات، وبخاصة الموقف الأردني المفترض من (اتفاق الإطار) وتبعاته، ومن الأزمة السورية، وكيفية التعامل معها ومع تداعياتها، ومن انتشار التطرف الأصولي- التكفيري في المنطقة وبضمنها الأردن.

واشنطن التي أعلن رئيسها أوباما عن تقديم مساعدة عاجلة للأردن مقدارها مليار دولار، بهدف انتشاله من أزمته المزمنة، والمتجهة نحو مزيد من التعقيد والحدة راهناً، وهي تضاف أيضاً إلى المساعدات العاجلة المقدمة من السعودية والعديد من دول الخليج، إلا أنها لن تشكل حلاً جدياً لصعوبات الأردن، وإنما تمثل (علاجاً) مؤقتاً لها.

أوباما وكيري اللذان يسعيان إلى تمرير مشروع (اتفاق الإطار) إقليمياً، يتطلعان إلى موقف أردني إيجابي تجاهه، رغم معرفة الإدارة الأمريكية بتبعات الموقف الأردني (المرجو) أمريكياً وإسرائيلياً، وخاصة على الأردن أولاً، كذلك على علاقاته مع الجوار الأردني الفلسطيني والسوري والعراقي ثانياً، وما هو أبعد من دول الجوار ثالثاً.

وهذا ما أظهرته التظاهرات الحاشدة التي عمت المدن الأردنية عشية زيارة الملك عبدالله إلى واشنطن، من الطفيلة إلى الكرك جنوباً، إلى إربد وجرش شمالاً، مروراً بالعاصمة عمان، والتي رفعت شعارات تحدّ للملك (مشروع كيري لن يمر، نعم لحق العودة، لا للتوطين.. إلخ)، بعيد العديد من تظاهرات الأحزاب القومية والوطنية والديمقراطية المساندة لسورية، والرافضة لسياسة المملكة تجاه أزمتها. وتزداد حساسية الموقف الأردني من مشروع (اتفاق الإطار)، كذلك من الأزمة السورية، وخاصة بعد سقوط حليفي واشنطن (مبارك في مصر، وزين العابدين في تونس)، والصعوبات التي تعانيها الدول الأخرى التي اتخذت موقفاً مؤيداً ل(ثورات الخريف العربي)، وسلبياً من الأزمة السورية، وتعيش حالياً أزماتها.

وضع خاص يعيشه الأردن حالياً، يمثل نتاجاً لواقع الأردن، وخصوصيته، وفرادته وطبيعة علاقاته وتوجهاته وسياسته أيضاً.. وفي هذا السياق تقيّم زيارة واشنطن والأهداف المرجوة منها.

العدد 1105 - 01/5/2024