كيف نعالج أولادنا من الخوف؟!

الطّفولة السّعيدة تعني شباباً سليماً يتمتع بالصّحّة النّفسيّة والسّلام الدّاخلي، ولكن أسيئت معاملة الطّفولة في سوريّة على مدى الأزمة الراهنة، وأصبح الخوف هو الصّديق الملازم للطفل السّوريّ بكل أطيافه، ويبقى السّؤال الّذي يطرحه الآباء والمربون: كيف يجب أن نتعامل مع الطّفل الّذي يعاني الخوف وعدم الثّقة بالنّفس؟ كيف نطمئنه ونعالجه؟!

نجد اليوم في الشّارع السوري، حالات عديدة من الخوف الذي نتج عنه عدم الثّقة بالنّفس لدى العديد من الأطفال والأهل في الوقت نفسه.

في لقاء أجريته مع رنا، وهي أم لطفلين (بنت وصبي)، قالت رنا تروي تجربتها: أُصيبت ابنتي بشظايا بسبب سقوط قذيقة هاون على حافلة المدرسة، ولم يتمكن الأطباء من انتزاع الشّظايا من جسمها، الأمر الذي أدى إلى إصابتها بالتهابات عديدة، عدا الضّرر الجسدي الّذي أُلحق بها.. فقد أصابتها هالة كبيرة من الذّعر، فهي لا تستطيع النوم ليلاً، وباتت تخاف من الأصوات العالية ومن الظلام، وهي ترفض الخروج من البيت وأصابتها حالة التّبول اللا إرادي.. وتسأل رنا: ماذا أفعل مع ابنتي؟!

أمّا إسكندر فكان يذهب إلى مدرسته في إحدى ضواحي دمشق، إلى أن تعرض هو وإخوته لتفتيش حافلة المدرسة من قبل الإرهابيين منذ ما يقارب العام، ومنذ ذلك الوقت وهو يرفض الذّهاب إلى المدرسة خوفاً من أن يعود إلى البيت، فلا يجد والديه أو أحد إخوته، فهو يريد البقاء بالقرب منهم كي يحافظ على أسرته ويحميها. تسأل أم إسكندر: هل أتركه يدرس في البيت؟! ماذا أفعل.. إنّه يرفض الخروج من البيت رفضاً تاماً؟!

سامر، طفل يبلغ من العمر (6 سنوات)، هجم المسلحون على بيته، فأسرع واختفى تحت السّرير في غرفته، ولكنّه كان شاهداً كيف اعتدى المسلحون على والديه.. بعد الحادثة أمضى وقته في الشّوارع، واضعاً على أذنيه سمّاعات كبيرة كي لا يتمكّن من سماع أصوات المعتدين الذين استحوذت أصواتهم على دماغه. عاش سامر وحيداً خائفاً من الحديث مع أيّ شخص، ورفض أي مساعدة قُدّمت له، لأنّ الخوف امتلكه بقوّة؛ بعد أسبوعين من الحادثة، وُجد سامر ميتاً وحيداً في أحد أرقى الشّوارع من مدينة دمشق!

يبقى السّؤال: كيف نعالج الخوف لدى أولادنا بعد أن زُرِعَ في قلوبهم الصغيرة؟!

بالدّرجة الأولى علينا جميعاً التّعاون بعضنا مع بعض لكي نستطيع إخراج أولادنا من حالات الذّعر التي سيطرت عليهم، وذلك بالابتعاد عن العنف والإرغام، فالطفل الّذي يرفض الخروج من المنزل، لا ترغموه على ذلك، وإنما ابدؤوا بإثارة رغبته في التخلص من الخوف الذي يعانيه، وذلك باتباع إحدى الطرق والأساليب الآتية:

1- ربط ما يثير خوف الطفل بانفعال السّرور والفرح، أيّ بتطبيق أسلوب العالم جونس، الذي يقترح إزالة خوف الأطفال بعرض مثيرين في آنٍ واحد.. يُترك المثير الأول الّذي يخاف منه الطّفل بعيداً كفاية من الطّفل، أمّا المثير الثّاني فيجب أن يكون محبباً كفاية للطفل، وبالتّدريج من خلال الحوار أثناء قيامه بالشيء المحبب إليه، يستطيع أن يتغلب على ما يخيفه، ولكن بالتّدريج وبدرجات متفاوتة، حتّى يتمكن من الشّعور بالأمان والاستقرار.

2- الكشف عن مخاوف الطفل ودوافعه المكبوتة، وإيضاح الحقائق له، لكي يتمكن من تصحيح أفكاره الخاطئة، وذلك مهم جداً لإعادة الشّعور بالأمان له، ومن الضروري تكوين صداقات حقيقية معه بعيدة عن النقد والاستخفاف من حالة الخوف الّتي يمر بها، لكي يتمكن من العودة والاندماج في المجتمع؛ فالطّفل الذي مر بحالة من الخوف، يشبه إنساناً دخل إلى غابة يجهل ما فيها، لذلك فمهمتنا تكمن في تعريفه على الحياة، والسبب الحقيقي للتجربة التي مر بها، ليشعر بالراحة والأمان.

3- السماح له بالقيام بأعمال محببة على قلبه، فالعمل هو الحل الأنسب لتحرير الطّفل من حالة الخوف الّتي سيطرت عليه. ولا أقصد بالعمل هو إدخال الأطفال إلى سوق العمل، وإنما السّماح لهم بالقيام بتجارب صغيرة وبسيطة تتناسب مع فئتهم العمرية، لأنّ ذلك سيشعرهم بالقوّة وبقدرتهم على الإنجاز، وسيتمكنون من الحديث بهدوء عن مخاوفهم، لأن الإنجاز الّذي حققوه قد زرع بنفوسهم القوّة والثّقة.

4- تشكيل مجموعات صغيرة ضمن المجتمع المحلي الواحد، يجتمع فيها الطفل مع رفاقه، فالبيئة المحليّة هي مكان آمن بالنسبة للطفل، فهو يعرف جميع سكان الحي (الخباز والبائع المتجول والطبيب.. إلخ)، لذلك، لكي يعود الطّفل للاندماج بالمجتمع من جديد، يجب البدء بالبيئة المحلية، ثمّ المدرسة، وبعد ذلك المجتمع ككل.

5- الابتعاد عن الإسراف في التّدين.. يعيش إبراهيم حالة كبيرة من الخوف من أصوات القذائف والطّلقات النارية، فلجأ والده إلى رجل دين لكي يتحدّث معه، فأخذ يخبره بأنّه إذا خاف، فإن الله سبحانه وتعالى سيعاقبه ويحرقه بنار جهنم، وبأنّ الشيطان هو الّذي يخيفه، الأمر الّذي زاد من خوف إبراهيم البالغ من العمر عشر سنوات، وأصبح وحيداً لا يجالس أحداً، ويمضي طوال وقته على الحاسوب واضعاً سمّاعات على أذنيه كي لا يسمع أيّ صوت.

نقترح على الأهل والمربين في مثل هذه الحالات اللّجوء لأصحاب الاختصاص الّذين يملكون الخبرة الاجتماعيّة والقدرة على إعادة الأمان والاستقرار لأولادنا، فرجل الدّين ليس خبيراً بأمور التّربية والعلاج النّفسي.

أخيراً: إنّ علاج الخوف ليس صعباً، ولكن علينا أن نقف جميعنا في صف واحد ونعمل معاً لنحمي أولادنا، فهم البناة الحقيقيون لمستقبل سوريّة.

العدد 1140 - 22/01/2025